الفتاة والخلخال
يحكى عن رجل كان لديه نجارة خشب يصنع الأبواب والنوافذ ، وفي يوم أتى إليه شاب
يطلب العمل عنده ،
قال النجار وهل تعرف في أعمال النجارة.
قال : نعم ، أعرف كل شيء.
قَال النجار : حسنا ، لقد أتيت في وقتك ، إني أحتاج من يساعدني في العمل ، فأنا كما ترى لقد تقدم بي العمر ولم أعد في كامل قوتي.
بدأ الشاب في العمل مع النجار ، مرت الأيام والشاب يعمل في النجارة وكان نشيط ومبدع في عمله.
وفي يوم قال النجار في نفسه إن هذا الشاب لطيف ومتواضع الخلق وبارع في عمله
وصاحب ضمير وأمانة ،
ثم اقترب منه وقال : إسمع يا بني إني أراك تقوم في عملك على أكمل وجه وهذا يسرني ويسعدني كثيرا.
أما أنا فقد أصبحت رجل مسن لم تعد لي طاقة للعمل ، سأترك لك الدكان لتعمل فيه ،
وأذهب إلى منزلي أختم ما تبقى من عمري في عبادة الله ، أريدك أن تكون ناجح في عملك أكثر فأكثر.
قال الشاب : حسناً سأكون عند حسن ظنك إن شاء الله.
استمر الشاب في عمله كعاداته وشهرته زادت أكثر فأكثر عند الناس ،
وكان النجار يأتي زيارة إليه كل شهر ثم يأخذ المحصول الذي قد جمعه الشاب ، ويعطي له أجرته ويعود إلى منزله.
وفي أحد الليالي خرج الشاب يتجول في شوارع المدينة وكانت ليالي أواخر رمضان ما قبل العيد ،
الناس يذهبون إلى السوق ما بين مشتري وما بين بائع.
ظل الشاب يتجول في المدينة ، وفي هذه الأثناء صادفته فتاة جميلة ، وقالت له يا أخي من أين الطريق إلى حمام سردادي
كان هذا الحمام بخاري لنساء المدينة للاستحمام.
رد الشاب : الحقي بي وسأوصلك إليه.
إقرأ أيضا: تقول تقدم أحدهم لخطبتي وكان شرطه الوحيد للزواج هو الإعتناء بوالدته
ذهب الشاب والفتاة تتبعه ولم يكلمها أبداً طوال الطريق وكان الخجل يظهر على وجهه ،
أحست الفتاة بالاطمنان نحوه.
توقف الشاب أمام منزل صغير أثناء سيرهم في المدينة وقال هذا منزلي استاجرته من أحد أهل المدينة ، وأنا أسكن فيه لوحدي.
ثم فتح الباب وقال انتظري قليل سأدخل أخذ بعض الشيء ثم أوصلك.
ثم طلب منها أن تدخل كي يعرفها على منزله المتواضع ، لكن الفتاة رفضت بحجة أنها لا تريد ان تتأخر، فالوقت قصير.
أصر عليها بادخول دون أن يظهر عليه نية الشر.
دخلت الفتاة إلى الحجرة وأخذت تنظر يمين ويسار ، قام الشاب بإغلاق الباب ، إنفزعت الفتاة.
قال : لا تخافي أنا شاب متربي وأعرف الشرف والعار ، أنتي في أمان الله ،
ولكني أردت أن أخبرك أنني حين رأيتك وقعت في حبك ،
لقد جعلتي أوتار قلبي تعزف لحناً جميل على حبك ، أنا مغرم بك من أول نظرة رأيتك ، وأريدك زوجة لي هل تقبليني.
نظرت الفتاة إليه بدهشة وقالت أنا مازلت صغيرة ، ولا أفكر في الزواج ، وإياك أن تقترب مني سأجمع عليك الناس.
ركضت نحو الباب تحاول الهروب لكن الشاب وقف أمام الباب وقال لن تخرجي من هنا قبل أن توافقي على طلبي.
قالت : لا يمكن أن أوافق لأي شيء تطلبه لو يكلفني الأمر حياتي.
اقترب الشاب منها وقال إهدئي لا تخافي ، لن أمس شعرة من شعرك ولكن دعيني أتحدث معك قليلا.
الفتاة نظرت إلى أدبه ونخوته ورجولته رغم أنها في قبضت يديه وحدهما ، ارتاحت بعض الشيء.
ثم قالت اسمع أنا موافقة أن أقضي معك بعض الوقت للحديث ، ولكن لي طلب.
قال : اطلبي.
إقرأ أيضا: لن أنسى قط ما حدث ما دمت حيًا
قالت بعد أن اقضي معك بعض الوقت في الحديث ، لم يعد لدي وقت كافي لأذهب إلى الحمام ثم أعود إلى المنزل ،
إذهب واجلب ماء ساحن من الحمام كي أغتسل قبل أن أعود إلى المنزل ، وإلا عرفت أمي أني لم أكن في الحمام.
قال : معك حق ولكن ما يضمن لي أنكي ستبقي هنا حتى أرجع.
قالت : ضع قفل على الباب إن كنت لا تثق بي.
قال الشاب : لا ، ربما تنادي أي شخص من الخارج ويقوم بكسره ويخرجك ،
ولكن يوجد لدي أمر آخر ، به سأضمن بقاك هنا حتى أرجع.
أريد الخلخال الثمين الذي على يدك رهينة ، وعندما أعود سأرجعه إليك.
قالت : حسناً خذه.
أخذ منها الخلخال وذهب يجلب الماء ولم يضع قفل على الباب ، ظن أنها لن تترك الخلخال معه وتهرب ،
ولكن رأت الفتاة أن الباب ليس مقفل وأن الفرصة مفتوحة للهرب تركت الخلخال وفرت وعادت إلى منزلها.
رجع الشابومعه الماء ووردة حمرا ولكنه لم يجد الفتاة.
وقع في صدمة كبيرة ، لم يكن يتصورها لقد كان يرسم في عقله شيء جميل سيخبرها به ، وكلام جميل.
حزن الشاب كثيرا وظل يسهر كل ليلة وهو يفكر بها ويكتب الأشعار ،
وكان يبحث عنها في شوارع المدينة كل يوم لعل الصدفة تتكرر ، وهو ينشد الشعر.
ظل الشاب أيام وهو يسهر الليل ، زاد حزنه أكثر فأكثر حتى أنه لم يعد يهتم في عمله كالعادة.
لاحظ النجار أن الشاب تغير كثيرا ، اقترب منه وقال له ما بك يا بني ماذا حل بك؟
أخبرني ما الذي شاغل عقلك ، أراك هذه الفترة سارح في خيالك.
تظاهر الشاب أنه بخير ولا يوجد شيء ، لكن الرجل أصر عليه لمعرفة الأمر.
رد عليه وقال : بيضا أتتني نصف الليل تسألني أين الطريق إلى حمام سردادي.
إقرأ أيضا: المزارع وأولاده الثلاثة
تركه الرجل وذهب وفي اليوم الثاني أتى إليه ليفهم منه ما سبب حزنه ،
ولكنه في كل مرة يفتح معه هذا الأمر يرد الشاب بنفس الشعر.
تعجب الرجل منه ومن شعره ، ثم عاد إلى منزله وعند تناوله الطعام مع زوجته وإبنته قص عليهم حال الشاب ،
وقص لهم قصته قال لقد تغير كثيرا وأصبح سرحان وحزين طول الوقت وصامت.
لم يعد يعمل ولا ينام الليل ، ولم يعد له رغبة في الكلام ولا الطعام ، وكلما ذهبت إليه أساله ما بك؟
نظر إلي بصمت ولم يجب ، وإن أصريت عليه يرد علي ببيت من الشعر لا أفهم معناها.
يقول : بيضا أتتني نصف الليل تسألني أين الطريق إلى حمام سردادي.
قالت إبنته : أنا لدي صديقه تفهم بلغة الشعر ، سأذهب إليها وأخبرها بالقصة ،
والقي عليها شعره لعلها تعرف ما يقصده من هذا الشعر.
قال الأب : حسنا ، إذهبي وأخبريني ماذا ستقول لك.
ذهبت الفتاة إلى صديقتها ورجعت إلى أبوها
وقالت لقد أخبرتها بالأمر وقلت له الشعر ،
ولكنها ردت علي ببيت من الشعر لم أفهمه أيضا ، وطلبت منك أن توصل البيت الشعري إليه.
قال الأب : وما هو الشعر.
قالت : قل للذي أخذ الخلخال مرتهناً ماذا أضرهُ لو وضع قفل على البابي.
تعجب الأب من هذه الألغاز التي تجري ،
ثم قال في نفسه على أية حال سأذهب إليه وأخبره.
ذهب الرجل للشاب وقال له والأن ستخبرني ماربك إن حالتك تصعب علي.
نظر إليه وقال : بيضا أتتني نصف الليل تسألني أين الطريق إلى حمام سردادي.
قال الرجل إسمع : قل للذي أخذ الخلخال مرتهناً ماذا أضرهُ لو قفل على البابي.
إقرأ أيضا: قصة الكلمة الجارحة
اندهش الشاب وقام من مكانه وقال من أين أتيت بهذا الشعر ومن الذي قاله وكيف وصل إليك.
قال الرجل : إهدأ وقل لي ما الأمر؟
قال : أوصلني إلى من أتاك بهذا الشعر وسأشرح لك كل شيء هناك.
فقال الرجل : نها فتاة صديقة لابنتي.
قال : أوصلني إليها أرجوك.
فقال الرجل : حسنا سأفعل ، هيا بنا.
وصل الرجل إلى إبنته وقال لقد أتيت ومعي بكر ونريد منك أن توصلينا إلى صديقتك التي قالت الشعر.
هنا شعرت الفتاة أنها في ورطة ، صمتت قليلا ثم قالت : أنا التي قلت الشعر يا أبي.
هنا حس بكر بالفرح والخجل بنفس الوقت ثم قال هذا يعني أنك الفتاه التي رأيتها في تلك اليلة.
قالت : نعم.
عندما سمعت من أبي بشعرك الذي كنت تردده ، عرفت أنك من صادفته تلك الليلة.
هنا الأب لا يعرف شيء عن الأمر ، ضل صامت يسمع الحوار بينهم وينظر إليهم ،
ثم أوقف حديثهم وقال أفهموني ما الأمر؟
قالت الفتاه تعال يا أبي إلى الداخل وسأشرح لك كل شيء.
بعد أن قصت عليه القصة كلها ، رجع إلى الشاب ومد يده له وزوجه من إبنته.