القرية المخفية الجزء الأول
تلك القرية التي سوف أحكي عنها تقع في واد عميق تحيط بها الجبال الشاهقة من كل جانب ،
لم يسبق لسكانها أن تقابلوا مع أفراد العالم الخارجي.
وبسبب موقعها الفريد هذا فإنه من الصعب جدا الوصول إليها أو الخروج منها ،
لذا يعتمد سكانها ديمومة حياتهم على أنفسهم بشكل كلي ولا ينتظرون المساعدات من الخارج ، لهذا سميت بالقرية المخفية.
لكن كبار السن منهم فقط هم من يروون لهم عن أحوال العالم خلف تلك الجبال التي تحيط بهم ،
ويذكرون لهم أيضا أنه في وقت ما منذ زمن ليس ببعيد لم تكن هذه الجبال بتلك الضخامة ،
بل كانت تلالا صغيرة وكانت القرية منفتحة على باقي العالم.
لكن حدث يوما ما أن حضر إلى القرية رجل غريب تبين فيما بعد أنه مشعوذ خطير ،
حيث حاول ذلك الرجل الإستيلاء على كنز القرية والذي كان عبارة عن تمثال من ذهب على هيئة طائر النسر ،
والذي يعتز به السكان كثيرا ويزن نحو طن من الذهب.
ونتيجة لذلك قرر مجلس القرية إعدام المشعوذ ،
وعندما تم نصب خشبات الإعدام وارتقى المشعوذ لحبل المشنقة سألوه عن طلبه الأخير.
فطلب منهم أن يطلقوا سراحه وإلا صب على هذه القرية أسوء اللعنات ، لكن المجلس أمضى عليه الحكم فتم التنفيذ ومات المشعوذ.
لكن في تلك الليلة إستيقظ السكان على أصوات زلزلة شديدة فخرجوا من بيوتهم مرعوبين ،
وشاهدوا تلك التلال الصغيرة التي تطوق القرية وهي تعلو وتتعملق حتى غدت كالجبال العظيمة!
حينذاك علم الأهالي أن المشعوذ قد نفذ وعيده وأنزل بالقرية لعنته الشريرة ،
التي جعلت من القرية حبيسة تلك الجبال معزولة عن بقية العالم إلى أبد الدهر.
إقرأ أيضا: شهقة عالية تخرج منها بعد أن استيقظت للتو
مضت السنين ولم تزل تلك اللعنة حتى بعد أن أخرج الأهالي جثة المشعوذ وقاموا بتقطيعها ومن ثم إحراقها ،
عسى أن تزول اللعنة ، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
واستمر الحال على ما هو عليه إلى أن جاء اليوم الذي حدث فيه أمرٌ جديد ،
حيث وصل الى القرية شاب من العالم الخارجي يبلغ من العمر عشرون عاما ،
إستطاع ذلك الشاب من بلوغ القرية عن طريق موهبته في تسلق الجبال ونزولها.
سار الشاب في طرق القرية مستكشفا إياها ، بينما تجمهر الناس حوله وهم يطالعونه باهتمام عجيب في الوقت الذي عطلوا فيه أعمالهم وأغلقوا دكاكينهم ،
وقام الحاضر منهم بتبليغ الغائب عن ذلك الحدث الفريد ،
ألا وهو وصول وافد جديد إلى القرية التي لم تتعرف إلى أي غرباء من قبل.
تجرأ الأهالي وبدأوا بلمس ملابس الشاب الغريبة وشعره المصفف بطريقة مغايرة.
وكان الشاب يبتسم لهم ويحاول كسب ودهم.
وهنا تقدم شيخ كبير في السن وصاح
إبتعدوا عنه ألا ترون أنكم تخيفون ضيفنا؟
ثم قام ذلك الشيخ بتقديم نفسه للقادم الغريب قائلا : مرحبا بك أيها الغريب أنا سلمان عمدة القرية.
صافح الغريب العمدة وقال له وأنا باهر مجرد مغامر محب للإستكشاف ،
وقد أذهلني وجود بشر وقرية في هذا المكان المنعزل تماما عن العالم.
إندمج باهر مع سكان القرية الطيبين بسرعة حتى أحبوه وأحبوا سماع حديثه عن حال الدنيا في الخارج.
بعد ذلك قام سلمان بتقديم باهر إلى حفيده أحمد والذي يبلغ نفس عمر باهر وطلب منه أن يصطحب ضيفهما باهر في جولة حول القرية ،
ليطلع عليها عن كثب ريثما يحين وقت الغداء.
فعل أحمد ما طلب منه جده ورافق باهر في رحلته لاستكشاف معالم وخبايا القرية حتى أصبحا كالصديقين.
إقرأ أيضا: القرية المخفية الجزء الثاني
وعندما حل وقت الغداء جلس الجميع على المائدة التي ضمت صنوف الطعام اللذيذ ترحيبا بالفتى باهر.
لاحظ سلمان أن باهرا كان يكثر من السؤال حول تاريخ القرية ومراحل نشأتها ، فلما سأله سلمان عن سر اهتمامه بقريتهم ،
أخرج باهر دفترا وقلما وأخبرهم أنه يريد أن يدون تلك المعلومات من أجل معلمه المغمور الذي يعمل مؤرخا ،
والذي يقوم حاليا بتأليف كتاب عن تاريخ البلاد.
لم يبدي سلمان ارتياحه لذلك الفتى ، فالتفت إلى حفيده أحمد وهمس له أن يأخذ حذره من باهر.
فلما سأله أحمد عن سبب ارتيابه منه أجاب الشيخ يقول أنه تلميذ لمؤرخ غير معروف ،
وهذا يعني أنه من المفترض أن يكون فقيرا بطبيعة الحال ،
لكن الغريب أنه لم يلتفت إلى الطعام الشهي أمامه وكأنه قد تعود على ما هو ألذ منه ،
فلو كان فقيرا لأبدى اهتمامه بوجبة الغداء الفاخرة على الأقل.
استمع أحمد لكلام جده وقرر الحذر من باهر ، وبعد الغداء واصل الصديقان جولتهما في القرية.
أراد أحمد أن يأخذ باهراً إلى سوق القرية لكن الأخير بدا غير مهتم بذلك ،
وعوضا عن هذا فقد طلب من أحمد أن يريه مغارة القرية.
كانت المغارة هي الموضع الذي يحتفظ فيه القرويون سرا بكنزهم النسر الذهبي.
نظر أحمد إلى باهر بارتيابٍ وقال لا شيء في المغارة يمكن أن يثير اهتمامك ، بعكس السوق فهو مصدر للبهجة والسرور.
قال باهر أعتذر يا أحمد فلقد أبصرت فوهة المغارة من بعيد فانتابني الفضول إلى الدخول إليها.
دخل الإثنان السوق لكن أحمد لاحظ أن باهراً كان يلقي ببصره بين لحظة وأخرى صوب المغارة ،
ولا يبدي أي تفاعل مع حديث أحمد معه حول مقتنيات السوق.
حتى جائت اللحظة التي أمسك أحمد فيها بباهرٍ وقال له :
ما خطبك يا باهر أراك لا تكاد ترفع عينك عن المغارة هل أستطيع مساعدتك في شيء؟
يتبع ..