Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

المتاهة العجيبة الجزء الثاني

المتاهة العجيبة الجزء الثاني

بلع الرجلان ريقهما من هول ما يسمعان لكن الملك ابتسم وقال : “وهذه لم تكن سوى البداية.

فمع مرور الأيام ارتفعت حوادث الإختفاء ودب الخوف في قلوب سكان القرى الشمالية ،

لذا قررت إرسال فرقة كاملة من الحرس الملكي لمعرفة من يقف خلف هذه المأساة وإيقافه.

لم يجد الحرفيان كلاما لقوله ، حتى فكر النحات إلياس في نفسه وقال مستفسرا :

“أتسائل لما لم نسمع في قريتنا عن هذه الأحداث بتاتا يا مولاي.

أجاب الملك : لم تسمعا لأني أمرت الجميع بالتكتم عن الأمر واخفائه ، وعدم إخبار أحد عن القصة الخيالية المخيفة ،

فحتى لو ظنها البعض مجرد حكاية يحكونها ، فقد يؤدي انتشارها لتفشي الذعر بين الناس.

ثم سأل المعماري من جهته : لكن ما دخل بناء متاهة بهذه القصة يا مولاي؟

قال الملك وهو عائد إلى عرشه : بعد أن أرسلت الفرقة من الحراس تمكنا أخيرا من معرفة هوية الوحش الذي سببب كل تلك الفوضى والذعر.

كنت قد سألتكما في البداية عن غول الغابة ، الذي عُرف بتواجده في الجنوب غالبا ،

لكن الأن كان هو بالفعل من وجده حرسي في الغابة الخضراء.

قال فؤاد باستغراب : “أمر غريب أن يتواجد الغول في الشمال ، فلم نسمع قط عن شيء كهذا.

لكن ما الذي حدث بعد ذلك يا مولاي ، هل تمكنتم من تصفيته؟”

أجاب الملك بنبرة حزينة : نعم تمكنا من الإمساك به ، لكن المشكلة التي واجهتنا عندما أراد الحرس القضاء عليه هي جسد الغول الصلب ،

والذي كان مكونا من حراشف خضراء قاسية ، كجذع شجرة لا تقطع ، فلم يستطع أي نصل اختراقه.

عقب إلياس بدهشة : “غول بجلد مكون من حراشف! إن هذا لعجب يا مولاي”.

رد الملك : “معك حق أيها النحات ، فحتى أنا من رأى الغول بعينيه ، لم أصدق إلا عندما لمسته”.

إقرأ أيضا: هيثم المجنون!

تعجب الرجلان من قول الملك وسأله فؤاد قائلا : “لمسته يا مولاي؟ هل سافرت للشمال لتراه؟”

أجاب الملك : “لا لم أذهب لأي مكان ، بل الغول نفسه أتى إلي ، فقد أمرت رجالي بجلبه للعاصمة.

بتمتمة سأل النحات : “العاصمة؟ ما الذي تخطط لفعله به يا مولاي؟”

نطق الملك بكل حزم : “سأختصر الكلام أيها الحرفيان.

حبس الغول في سجن عادي لن يكون كافيا لإبقاءه بعيدا عن الناس.

لاى آمركما أن تبنيا متاهة يستحيل الفرار منها ، لأني أرغب بسجن الغول داخلها ، أفهمتما؟

لم يجد الرجلان وقتا للتفكير أو السؤال ، فاكتفيا بالموافقة وطاعة أمر الملك.

ومرت الأيام والأسابيع والحرفيان يعملان بجد واجتهاد رفقة فريق كبير من العمال المساعدين ،

لتصميم وبناء متاهة كبيرة ومعقدة لسجن الغول الوحش.

وبعد مرور خمسة أشهر كاملة من العمل في السر كما أراد الملك ، تمكن الحرفيان أخيرا من الإنتهاء من بناء المتاهة.

والتي بُنيت بعيدا عن العاصمة في مكان خالٍ كما أمر الملك أيضا.

قَدِمَ الملك لرؤية المتاهة وفرح بها جدا وأغدق على الحرفيان بالمال والمتاع ، وأخبرهما بطلب أي شيء يرغبان به.

لكن الرجلان المتواضعان اكتفيا بما أعطاهما الملك وأخبراه أن سلامة الناس بعملهم هذا أهم من أي شيء.

ثم عاد الحرفيان لقريتهما سعيدين فرحيين بما أنجزاه.

وتوالت الأيام لتمر ثلاث أشهر كاملة على بناء المتاهة ، وفي يوم دافئ في فصل الربيع كان النحات إلياس يسير رفقة ابنه الصغير ،

ثم فجأة وقف في وجهه شاب هزيل الجسم لكن بثياب فخمة وشعر أشعث ، خاف النحات على ابنه فضمه إليه سائلا الشاب عن مبتغاه.

فقال الشاب وهو يتمتم : هل أنت النحات ، إلياس النحات؟

رد إلياس قائلا : نعم أنا هو ، من أنت؟ وماذا تريد؟

إقرأ أيضا: مارجوري مكال

وعلى غفلة ارتمى الشاب الضعيف على النحات وقال متوسلا : أرجوك ، أرجوك يا سيدي أنقذ أخي الأكبر.

باستغراب قال إلياس : أنقذ أخاك؟ عن ماذا تتحدث يا فتى؟

انهمرت الدموع من عيني الشاب وهو يمسك بثياب النحات قائلا : “نعم ، عليك إنقاذه أنت وفؤاد المعماري ذاك.

عليكما إنقاذه ، فأنتما من بنى سجنه ، المتاهة حيث يوجد الغول وحيث حبسه الملك.

شعر إلياس بصدمة بالغة مما سمع فأمسك بكتفي الشاب قائلا : الملك سجن أخاك في المتاهة؟

ما هذا الهراء يا فتى ، من الأفضل ألا يسمعك أحد وإلا اتهموك بالكذب على الملك.

ضغط الشاب على ثياب النحات وقال بغضب : “أنا لا أكذب ، أخي كان يعمل لَدى الملك ولسبب ما ،

قام بسجنه مع بعض الحراس في المتاهة عند الغول” ثم أردف بحزن : “أقسم لك أني أقول الحقيقة ، لذا أرجوك أنقذ أخي.

صدم إلياس من الخبر السيء ، وانطلق فورا تجاه فؤاد لإخباره.

ولما سمع المعماري النبأ المشؤوم انتفض غاضبا وقال بنبرة حازمة :

“لو صح هذا الأمر يا إلياس ، فهذا يعني أن الملك استغلنا لبناء سجن يحبس فيه من يشاء. علينا إنقاذ أولئك الناس.

ثم لم يمر يوم إلا وكان الحرفيان والشاب الهزيل في طريقهم نحو الملك.

بعد فترة وصلوا للقصر الملكي وولج الحرفيان لوحدهما نحو الملك ، فالشاب خاف من أن يلقى نفس مصير أخيه ، فبقي خارجا.

ثم إن الرجلان تحدثا للملك حول الموضوع لكن الأخير نفى الحادثة بأكملها ،

ووصفها بأنها مجرد حكاية يحكيها الناس ليزيدوا من خوف المتاهة في قلوب الصغار.

فخرج الحرفيان من القصر ولما التقيا بالشاب الهزيل ، شرعَا فورا في توبيخه لكذبه ،

بينما هو يقسم لهما بأنه لم يكذب أبدا.

وأثناء جدالهم سمع الحرفيان صوتا يناديهم ، ولما استداروا رأو رجلا ملثما يتوارى خلف مبنى صغير.

إقرأ أيضا: ممكن أحضنك؟

تقدم نحوه الثلاثة قبل أن يتعرف عليه إلياس قائلا : “أنت ، أنت المبعوث ، أحد المبعوثين اللذان أرسلهما الملك.

قال الرجل بهدوء : “نعم أنا هو ، من الجيد أنك تتذكرني ، فهذا سيوفر علينا الوقت.

رد فؤاد مستغربا : “الوقت؟ الوقت لأجل ماذا؟”

نزع الرجل لثامه بالكامل قائلا : “لأجل إنقاذ رفاقي ، الحرس الذين سُجنوا في المتاهة.

شعر الحرفيان بالحزن قبل الغضب ، الحزن من معرفة أن القصة التي وصفها الملك كلها كذب الآن.

فلم يجدوا سبيلا إلا التعاون بأربعتهم لإنقاذ من سُجن في المتاهة.

في طريقهم للمتاهة حكى لهم المبعوث القصة بأكملها ، وكيف أن الملك سجن أخ الشاب الهزيل ،

والذي كان أحد وزراءه المشهورين بطيبتهم وأخلاقهم العالية ،

بعد أن ضاق ذرعا من نصائحه المتكررة والمزعجة والتي اعتبرها تطاولا عليه.

ولما أراد القبض عليه وقف في وجهه بعض الحرس الذين يحبون الوزير الطيب ،

فاستدعى الملك جميع حرسه وقبض على الوزير والحرس الذين دافعوا عنه ، وأمر برميهم في المتاهة.

ولما وصلوا لمدخل المتاهة بعد ساعات من المسير المرهق ، كانوا جميعا مستعدين للمخاطرة من أجل مسعاهم.

دلف المعماري أولا وتبعه الثلاثة الآخرين ، كانت المتاهة مبينة بشكل عجيب ومعقد ، تتغير طرقها كلما سلكت طريقا معينا.

وتختلف ألوان جدرانها على حسب اتجاه أشعة الشمس كي لا يتذكر المرء طريقه أبدا.

وبنى إلياس جُدرانها الرمادية اللون -الآن على الأقل- من حجر الجرانيت الصلب ، كي لا يستطيع أحد اختراقها.

لكن فؤاد هو مصمم المتاهة فكان اتباع خطة محكمة من عنده أمرا طبيعيا ، ولو كان أحد غيرهم لتفرقوا وتقدموا بسرعة دون هدف.

انطلق الأربعة راكضين في أنحاء المتاهة ، الواحد خلف الآخر وأولهم فؤاد الذي يحفظ المتاهة جيدا.

ومرت الدقائق ولم يعثروا على شيء ، حتى اقتربوا من مركز المتاهة حيث يوجد الغول.

إقرأ أيضا: نصف متر

رغم رفض البقية أراد إلياس رؤيته ، فتقدم لوحده حتى وصل لغرفة ضخمة بلا باب ، كانت مفتوحة على الهواء الطلق ،

أخذ إلياس نظرة خاطفة لداخل الغرفة ، فرأى رجلا هزيل الجسد كأنه على حافة الموت ، هرول باتجاهه مناديا على بقية رفاقه.

ولما حضر الجميع صرخ الشاب أخ الوزير بفزع قائلا : أخي ، إنه أخي.

صُدم الجميع من المشهد المروع ، كان الوزير ضعيف الجسم وعظامه بارزة.

أعطوه بعض الماء وقليلا من الطعام ليستيقظ من إغمائه.

ومرت دقائق حتى تمكن الوزير من فتح عينيه ، حتى أنها بدت أصعب شيء يقوم به.

عانق الأخ الأصغر أخاه الذي بدأ يستوعب قليلا ما يجري حوله ، فسأله فؤاد قائلا :

“من المفترض أن تكون هذه الغرفة للغول ، فأين هو؟”

أجاب الوزير بصعوبة : لم يكن هناك غول أصلا ، أو بالأصح أنا من أراده الملك أن يكون الغول.

وعندما جلس الجميع حوله بدأ الوزير في سرد قصته.

كان الملك غاضبا جدا من الوزير طوال سنوات ، لكنه لم يستطع مسه بسبب نسب عائلته النبيل.

ففكر في خطة وهي أن يروج بين الناس عن الغول في الشمال ، ليبني متاهة لحبس الوزير.

سأل المبعوث الوزير عن باقي الحرس الذين دافعوا عنه لما أراد الملك القبض عليه ،

فأجاب الوزير بحسرة : للأسف رحلوا جميعا ، قضى عليهم الملك.

تأسف الحرفيان لمشاركتهما في هذه المصيبة ، لكن الوزير أخبرهما أن عملهما كان من أجل الخير فلا ذنب عليهما.

وبعد ساعة من الزمن استطاع الخمسة الخروج من المتاهة ، متجهين جميعا للعاصمة لمحاكمة الملك.

ومرت الأيام ليسقط حكم الملك الظالم ويعود الحرفيان لقريتهما آمنين سالمين.

ليحكي الناس على مر الأجيال عن حرفيان متواضعان ، ويحكم الناس ملك جديد عادل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?