الموت لا يرحم أحد
الموت لا يرحم أحد
قال أسامة بن زيد رضي الله عنه : كنا عند النبي صل الله عليه وسلم ، فأرسلت إليه إحدى بناته غلاماً يدعوه إليها ويخبره أن صبياً لها يموت ،
فقال صل الله عليه وسلم للغلام : إرجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ،
فمرها فلتصبر ولتحتسب.
فذهب الغلام فأخبرها ، فإذا هي اشتد حزنها فعاد الغلام فقال : إنها قد أقسمت عليك لتأتينها يا رسول الله ،
فقام النبي صل الله عليه وسلم وقام معه بعض أصحابه فحمل الصبي بين يديه ونفسه تقعقع كأنها في شنّة ( قربة يابسة ) ،
فرحمه صل الله عليه وسلم حتى فاضت عيناه ،
فسئل عن بكائه ؟ فقال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. رواه البخاري.
ومعاوية رضي الله عنه لبث عشرين سنة أميرا على الشام ، وعشرين سنة أخرى خليفة على المسلمين ،
فهو يتقلب من مُلك إلى مُلك ، فلما حضره الموت ، قال : أجلسوني.
فأجلسوه ، فأخذ يذكر الله ثم بكى وقال : الآن يا معاوية ، جئت تذكر ربك بعد الإنحطام والإنهدام ،
أما كان هذا وغض الشباب نضير ريان؟! ثم بكى وقال : يا رب ، يا رب ، ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي.
اللهم أقل العثرة واغفر الزلة ، وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ، ولا وثق بأحد سواك ، ثم فاضت روحه رضي الله عنه.
ولما هجم على عبد الله بن المبارك واشتدت عليه السكرات غشي عليه ثم أفاق ،
ورفع الغطاء عن وجهه وابتسم وقال : لمثل هذا فليعمل العاملون ، لا إله إلا الله ، ثم فاضت روحه.
وحين نزل ببلال رضي الله عنه الموت ، قالت زوجته : واحزناه ، فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت ،
وقال : بل قولي وافرحاه ، غداً ألقى الأحبة ، محمد وصحبه.