النصيب الجزء الثاني والأخير
النصيب الجزء الثاني والأخير
اشترطَ أبي ألا تقل مدة الخطوبة عن سنة ، كي أفهمه ولا أطلب الطّلاق بعد مدة قصيرة ، كون الطلاق عند أبي مُحرَّم.
ما إنْ تبادلنا أرقامنا حتى أرسلَ لي رسالة بها أبيات شِعْرٍ عن الحب أصابَتْ قلبي مباشرة ،
ومنذ ذلك الحين كلما رأيتُهُ شعرت وكأنَّ قلبي يرتعش ، وبكل مرة يزورنا لم أكن أشعر بالوقت كيف يمضي ،
فقد أُعجِبْتُ بكل تفاصيله مهما كانت صغيرة ، وبكل حركة يقومُ بها ، غير ضحكاته وابتساماته التي تجعلني أنظر إليه بتأمل ،
وملامحه التي لا تُفارِق خيالي بعدَ ذهابه ، فأدرَكْتُ حينها أنني أحببتُه.
مضى شهر أرسل لي بشكل يومي رسائل حب متتالية صباحا ومساء ولم أكن أرد سوى بالتحية ، لحين أرسل لي رسالة كتب بها :
أنا أحبك ، هل تحبيني؟! جاوبي بنعم أو لا إن أردت.
شعرت وكأن قلبي سيخرجُ من أضلعي لدقائق ، ثم أرسلت له بنعم ، وفي اليوم التالي بدأتُ بإرسال أبيات شعر له.
كانت كل الأمور بيننا هادئة ، وكنا في تفاهم لا مثيل له ، إلى أن بدأت المشاكل عندما أخبرته أني سأسجل بالجامعة ، فقال :
إما أنا أو الجامعة.
أريدكَ أنت والجامعة ، وسأكملُ دراستي بعد الزواج
طالما أنكِ تحبيني ، فيجب أن تختاريني وتتخلي عن فكرة الدراسة.
دراستي ليست لأجلي فقط ، بل لأجل أولادنا ، كي يجدوني بجانبهم عندما يحتاجون شيئا في دراستهم ،
غير أنك ستفتخر بي أمام الناس .
استمرّ رفضه لفكرة دراستي ، وخيرني بينه وبينها مرارا وتكرارا وبكل مرة أرد : أريدك أنت والجامعة.
كنت أتمنى موافقته لدرجة أني أصبحت أحلم بأغلب الليالي أنه يقول لي ، موافق على تكملة دراستك ،
إلى أن سجَّلْتُ بالجامعة قبل إغلاق باب التسجيل بيوم واحد ، على الرغم من استمرار رفضه ، مما جعله يفتعل المشاكل كثيرا.
إقرأ أيضا: أستاذ وباحث ودكتور وكاتب ومؤلف ومفكر وبروفيسور أمريكي
بكل أسبوع يمضي كانت تزداد المشاكل التي يفتعلها لدرجة أني لم أستطع حفظها ولا عدَّها ،
لحين أعلنتُ استسلامي وفسخت الخطوبة باعتقادي أنه سيعودُ لي بعد موافقته على تكملة دراستي بسلام.
لم يمضِ شهر حتى خطب فتاة أخرى ، شَعَرْتُ وكأنّي دُفِنْتُ بيوم خطوبته ، عشتُ أزمة نفسية شديدة ،
وكلما رأيته صدفة كنت أدخل في نوبة بكاء هستيرية ، وهو دوماً يتجنّب النظر إلي.
وبعد أن تمزق قلبي لأشلاء ، من هول الحزن الذي عشته ، اتصلت به ، فإذا به أغلق الاتصال وأرسل لي رسالة كتب بها :
لا تعاودي الإتصال بي ، فأنا لا أخون خطيبتي ، وأنت لم تحبيني كما أحببتك.
حاولت أن أتصل به مرة أخرى ، كي أرجوه أن يعود إليّ وأعده أني سأترك دراستي ، فقام بحظري.
كم خشيتُ مواجهته ، لكي لا يرفضني بطريقة يجعلني أنهار في الشارع باكية ، فاستمريت بالإتصال به لكنه استمر بحظري.
تراجع تحصيلي العلمي وأنا لم أكمل سنتي الأولى ، ولأني كنتُ على أبواب الإمتحانات ، رسبت ،
فازداد تعبي ، ولم يجد والداي حلاً سوى خطبتي السريعة لشاب آخر باعتقادهما أنه سَيُنسيني ابن جيراننا كونه أولّ شاب في حياتي.
كان العريس ابن عمي المغترب ، تعارفنا على الإنترنت ، كونه قد اغترب وأنا صغيرة ،
شعرتُ وكأني أُعجِبتُ بطريقة تفكيره كونه متعلم وخريج جامعة ، مما جعلني أوافق على الزواج به ، فقد قلت في قرارة نفسي :
لعلَّ زواجي من رجل متعلم ، يجعل تعليمه دافعاً لتشجيع زوجته أن تكمل طموحها ،
ويساندها لحين حصولها على مرادها ، مما يجعلني أحبه لوقوفه بجانبي واهتمامه بي ،
فكم من قصص حب ازدهرت بعد الزواج.
إقرأ أيضا: أصبحت أستاذا بالجامعة بسبب إلتفاتة جاري في الصلاة
عَرَضَ عليّ أن نتزوّج قبل أن أنهي دراستي وأُكملُها بالبلد التي يعيش بها ، فوافقت على الفور كي لا أرى أول حب في حياتي مرة أخرى ،
فلعل بعدي عن المدينة والشوارع التي يسير بها ، يجعلني أنساه وكأنه لم يكن في حياتي يوما.
سافرت إليه بعد أن تم عقد قراننا ، لكني أُصِبْتُ بصدمة نفسية أكبر عندما وصلت ،
فلم أره على أرض الواقع نفس الرجل الذي شعرت أنه هو عندما تحدثنا بالرسائل ،
ولم تمضي بضعة أشهر ، حتى استرجعت أحاسيسي التي عشتها مع خطيبي السابق ،
لدرجة أني بتُّ أحلم به ليلاً وأتخيّلهُ نهارا ، مما جعلني أفتعل المشاكل وأطلب الطلاق.
لكنه رفض بشكل كلي خاصة بعد أن وافقه أبي بالرأي ، فلن يُرجِعَ ابنة عمه مُطَلّقة بعد بضعة أشهر ،
كي لا تكون سيرته على كل لسان ، فطلب مني أن أعتاد على الحياة معه ،
بعدَ أنْ رفض أن أُكمِلَ دراستي ، بسبب المشاكل التي أصبحَت تشتعل من كِلَيْنا.
قَضَيتُ بضع سنين وأنا أحاول حتّى أن أتقَبّله ، لكنه لم يكُن يقوم بأي شيء لمساعدتي ،
كونه قد صُدِمَ “بالبلوى” التي بلاه عمه بها ، كما أصبحَ يُناديني.
أنجبتُ ولداً لعلّه يُنسيني آلامي ، لكنّه زاد همومي وعذابي ، وعشتُ سنيناً أخرى وأنا أحاول أن أعتاد على الحزن ،
خاصة بعد أن أنجبت طفلة ، وأصبحت أخشى أن يأتي يوم وتعيش ما عشته أنا ،
فأردتُ أن أُعلِّمَ أولادي الدرس الذي علمتني إياه الحياة ، وهو أنَّ قراراً واحداً قد يقلب حياتنا رأساً على عقب ،
فلا يجب على أحد أن يأخذ قراراً بناءاً على تجربة سابقة ، أو هرباً من حب قديم ،
فلن يستطيع أي شخص أن يكون بديلاً عن شخص آخر ،
حيث أنَّ كل شخص سيحفر نفسه بقلوبنا بطريقة لن يستطع أحد أن يمحوها.
وتبقى الكلمة الأخيرة للقَدَر ، فما بين الحب والنصيب ، دُفِنَتْ قلوباً كثيرة ، بعد أن شُيِّعَتْ إلى مثواها الأخير.