قصص منوعة

الهروب من الموت

الهروب من الموت

عندما تنقبض مرارة الحياة على أنفاسك ، وعندما يتخلى عنك الجميع وأنت في عز إحتياجك لهم.

عندما يقسوا الجوع على معدتك ، وعندما تشتم رائحة الموت من حولك ،

فلن يكون الحل سوى الرحيل والهرب من المكان الذي أنت حل به إلى لامكان.

ولكن الذي نتناساه في تلك الفترة من إتخاذ ذلك القرار بالرحيل هو أن الموت واحد مهما تعددت الأسباب وأينما كنت وستكون.

حياتي لم تكن سهلة منذ البداية.

حيث عشت في الفقر وما بين القلوب القاسية إلا أني تجاوزت الأمر وتعايشت مع وضع أهلي وقريتي.

وعندما أقدمت على الزواج لم يكن إختياري بل إختيار عشيرتي ، ومع هذا رضيت بقدري لزوجي.

كان رجلا متزوجا من قبل ولديه أطفال كذلك.

وبما أنني كنت أجهل وضعه أدركت ذلك بعد فوات الأوان ،

وابتلعت غصة ألمي ووجعي من المكتوب المحتم الذي حلت إليه وقلت في نفسي لعله خير ،

ربما سيكون رجلا صالحا وناضجا يحتويني ويبعدني عن الوضع المزري الذي كنت أعيش فيه مع أهلي.

وياليته لم يفعل ، وتركني معهم أقبل الفقر والعنوسة ولا أتزوج برجل بليد لا يرحم إلا نفسه الشاذة.

لا أعلم كيف تكون حياة العروس في بداية أيامها الأولى مع زوجها ،

ولكن لا أظنها أن تكون مثل ما أنا عشتها معه ،

مجرد خادمة له ولأولاده الثلاثة حتى لحيواناته التي في الإصطبل.

لم أرى شيء في ذاك المنزل المقفر من الحنية وحسن المعاملة والمشاعر اللطيفة من ناحيتهم نحوي حتى أصبر نفسي على مدى التعب الذي أتلقاه جراء طلباتهم الكثيرة التي لا تنتهي.

كل ما أجده من قبلهم هو الصراخ والألفاظ المؤدية لمشاعري فقط.

ولكن صبرت عليهم فأمري مغلوب عليه خاصة عندما قدمت التي آنست وجعي ليان ،

هي بسمة حياتي وروحي.

1 3 4 10 1 3 4 10

إقرأ أيضا: كنت أتمشى بجانب الطريق السيار وإذا بي أرمق جنازة

إبنتي الجميلة اللطيفة الرقيقة الناعمة بمعنى الكلمة أضافت لحياتي معنا وطعما إخر لم أستطعمه من قبل.

أصبحت متصالحة مع نفسي ومع غيري خاصة مع زوجي ومعاملته الوحشية معي.

بوجودها أسكتت غضبي الذي كاد أن يحرقني بصمتي وصمودي وسط الذل والظلم الذي ساد على يومياتي.

مرت بضع سنوات توفى زوجي وطردت من منزلي من قبل أولاده وزوجته الأولى.

كما طردت من بين أهلي حتى أجد نفسي أتحمل المسؤولية بمفردي التي لا أعلم كيف أبدأ ومن أين أنتهي ،

وأنا ليس بيدي سوى اليد الدافئة التي أمسكها بقوة يد ليان.

لا أملك لا ملجأ ولا مؤونة ولا نقود حتى أوفر بها حاجياتنا ولا حتى أسد به جوع الصغيرة.

تماسكت واستقويت على سوء الأحوال وعزمت أن لا أيأس وأحمي إبنتي من كل شيء ،

فقررت الرحيل بعد ما أنهكني التعب و المصارعة من أجل البقاء أحياء أنا وابنتي.

ففعلت ، ولكن كم كانت الرحلة شاقة للجسد والنفس.

فلم تتحمل ليان كما تحملتها أنا ، حملتها على أكتافي وودت لو أشق قلبي وأخبئها داخله حتى لا تتأذى ،

ولكنها في وهلة سقطت على الأرض دون حراك فوقع قلبي معها وكادت روحي تخرج من جسدي برؤيتها ضعيفة ،

وذاك الوجه البريء الصغير الشاحب اللون من كثرة برودة الطقس ،

وأنفاسها الضئيلة التي لا تكاد أيضا أن تسمع لها حس، لو كانت تموت فأنا مت قبلها ألف مرة ،

كان جسدي مكبل وروحي تعتصر وتصرخ خوفا من أن أفقدها للأبد.

أحضنها تارة وتارة أناديها بإسمها لعلها تسمعني وترد لي كياني الضائع مني ،

في تلك الأثناء بعد فتح عيونها الجميلة تلك صوبي

ليان ، ليان صغيرتي إفتحي عيونك.

لا تتركيني بمفردي ، لا تقسي علي كما قست الدنيا علي كذلك قبلا.

آسفة حبيبتي ربما لم يكن الأجدر بي أن أحملك مالا تستطعين تحمله.

لا تضعيني ما بين مشنقة تعذيب الضمير هذا ، فأمك فعلت ذلك غصبا عنها خوفا عليك.

أردت لك فقط حياة كريمة ، حياة أفضل من الحياة المرة التي عشتها طيلة حياتي ، فلا تعاقبيني على هذا.

ليان إنهضي وعودي أحضنيني كما تعودتي فعل ذلك.

وأعدك أنني هذه المرة سأحميك وسنعيش حياة مديدة حلوة معا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?