الوصية العجيبة الجزء الثالث

الوصية العجيبة الجزء الثالث

صاح زيدون حتى إنه من جزعه عليها مد يده ليمسكها فإذا به يتفاجئ بحدث عجيب فلقد اخترقت ذراعه سطح المرآة وكأن المرآة معبر إلى عالم آخر.

استجمع زيدون شجاعته وألقى بنفسه داخل المرآة فإذا به يجد نفسه داخل الغرفة المظلمة جنبا إلى جنب مع إبنته ،

فركض إليها والأرض لا تسعه من الفرحة فحررها من قيدها وقبل رأسها واحتضنها ،

ثم سألها عن حالها فأخبرته بكل ما جرى معها من لحظة اصطحاب جدتها لها وسماعها لترانيم الساحر المخيفة حتى غيابها عن الوعي.

غضب زيدون وقال إذن فجدتك هي رأس البلاء وسبب المصائب ،

لقد عرفت أنها كانت تكذب كانت الغرفة التي فيها الإثنان عبارة عن قبو فيه سلم طويل يؤدي إلى باب موصد من الخارج ،

ففكر زيدون بطريقة أخرى للخروج.

وهنا سمع زيدون صوت رجلين خلف الباب يتحدثان ، قال الرجل الأول لقد نجحت في اختطاف الفتاة إبنة أخيك حسب رغبتك ،

قال الثاني أحسنت ولك مني مكافئة عظيمة أرني إياها الآن.

ذهل زيدون تماما فلقد تعرف على الصوت الثاني إنه صوت أخيه رحمون لا غير ، أما الصوت الأول فلابد أنه صوت الساحر.

وهنا سمع زيدون صوت مفاتيح تفتح باب الغرفة فسارع إلى إرتداء طاقية الإخفاء وانتظر قرب الباب ،

دخل الساحر يتبعه رحمون فقام زيدون فورا بدفع الساحر بشدة فأسقطه على الدرج وكاد أن يدق عنقه لولا أنه تلقى الأرض بساعده فانكسرت ذراعه.

إلتفت الساحر غاضبا نحو رحمون وقال صارخا تحاول قتلي بعد أن نفذت مطالبك ،

يالك من خسيس جبان حتى أنا لست بهذه الخسة.

قال رحمون والدهشة تكاد تعقد لسانه لا أعرف ما الذي حصل ولكني لم ألمسك أقسم على ذلك.

صاح الساحر اسكت وتكذب أيضا لا يوجد أحد خلفي سواك سأنتقم منك بكل ما لدي من سحر.

إقرأ أيضا: فتاه تبلغ من العمر 23 عاما كانت تراسل هاتف والدها

أخرج الساحر من جعبته كيس وأخذ ينثر من رماده على رحمون وهو يتمتم بصوت مخيف ،

فصاح رحمون كلا لا تفعل لن أدعك تسحرني.

ركض رحمون هابطا نحو الساحر وتصارعا معا فاستغل زيدون الوضع وأمسك بيد إبنته وصعدا السلم بسرعة ثم خرجا من المنزل ،

ولما أصبحا في الشارع خلع زيدون طاقيته وشاهد دوريات من الحرس وهم يجوبون الطرقات بحثا عن الفتاة المخطۏفة ،

فأسرع إليهم وأخبرهم أنه والد الفتاة وقد عثر عليها مقيدة داخل هذا البيت وأشار إليه.

فطوق الحرس البيت وشرعوا بالنداء بعالي الصوت على الخاطفين بتسليم أنفسهم ،

وهنا انفتح باب البيت وخرج منه رحمون وهو يشهر سيفه ويمشي مشية غريبة جدا.

ناداه قائد الحرس بضرورة إلقاء سيفه وتسليم نفسه ، لكن رحمون واصل المشي نحو الحرس وهو يلوح بسيفه دون أن يتكلم أمام ذهول الجميع.

آنذاك رماه حارس بسهم فأصاب فخذه لكن بدا إن رحمون لم يتأثر أو يطلق صرخة وجع بل واصل المسير.

فرماه الحارس بسهم آخر اخترق ساقه الثانية فواصل رحمون المشي أمام ذهول الجميع والدماء تشخب من ساقيه ،

حينها أمر قائد الحرس قناصيه بالتصويب على صدره والإطاحة به.

هنا تدخل زيدون صارخا ووقف بين النبالين وبين أخيه ومنعهم من قتله.

فأمره قائد الحرس بالتنحي لكن زيدون رفض التحرك وقال ألا ترون أنه مستحوذ عليه من قبل روح شريرة بفعل الساحر ،

ثم التفت إلى أخيه وقال رحمون هذا أنا زيدون أخيك ألم تتعرف إلي.

رفع رحمون سلاحه فبلغت القلوب الحناجر وظن الجميع أنه سيضرب زيدون لكن كف رحمون تجمدت في الهواء ،

لحظات في الوقت الذي يعيش فيه رحمون صراعا داخليا عصيبا بين أن يقتل أخاه أو يتغلب على الشيطان في داخله ،

وأخيرا خرج من رأس رحمون ما يشبه البخار الأبيض فسقط السيف من يده ثم انهار على الأرض ،

فتلقاه زيدون بين ذراعيه واستدعى له الرعاية الطبية اللازمة.

إقرأ أيضا: في قديم الزمان كان يوجد شاب فقير جدا يدعى سيمون

غص الزقاق بالعشرات الذين حضروا ليشهدوا عملية إلقاء القبض على الساحر المحصور في ذلك البيت ،

ومن ضمن الذين جائوا حماة زيدون التي خشيت على نفسها من الفضيحة في حالة القبض على الساحر حيا ،

وفعلا فقد تم إخراج الساحر مقيدا من داخل البيت.

فتصرفت العجوز بسرعة وهجمت على الساحر وهي تحمل سکينا وتصرخ قائلة خاطف قذر كيف تفعل هذا بنا وأغمدت سکينها في عنق الساحر فقتلته.

لكنه قبل أن يموت نظر إليها إبتسم متمتما بعدة كلمات قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة ،

وهنا دخل ذلك البخار الأبيض في مناخير الجدة وفي عينيها وأذنيها فانتصبت كالمصعوقة ،

ثم أخذت تجري بسرعة رهيبة لا تصدق مقارنة بعمرها فجرى الجميع خلفها محاولين اللحاق بها ،

حتى بلغت العجوز جسرا فألقت نفسها من فوقه وغاصت في النهر.

سبح بعضهم نحوها وأخرجوها من النهر لكن بعد فوات الأوان فقد غرقت العجوز وتحولت إلى جثة هامدة.

بعد إسعاف رحمون تم نقله إلى السجن بتهمة المشاركة في عملية الإختطاف وهناك وضع في زنزانة مشتركة مع شقيقه سمحون ،

وبعد يومين تم استدعاء زيدون إلى السجن لزيارة أخويه بسبب رغبتهما في رؤيته ،

وهناك تحدث معه الأخ الأكبر سمحون بعاطفة جياشة واعتذر إليه كثيرا باسمه وباسم شقيقه رحمون وذرف دموع الندم أمامه ،

ثم قال لقد تأثرت كثيرا عندما سمعت أنك قد جازفت بحياتك لتنقذ رحمون من نبال القناصة هذا عمل نبيل حتى أنا لم أكن لأفعله.

وكدليل على صدق اعتذارنا فقد إتفقت مع رحمون على التنازل لك عن نصف ثروة عمنا ،

وسنكتفي أنا ورحمون بالنصف الباقي وإذا أردت التأكد فعقود التنازل جاهزة في مكتب القاضي ،

نأمل أن تسامحنا يا أخي فقد أسأنا لك كثيرا.

لم يعقب زيدون بأكثر من أن قال إن كنتما صادقين في ندمكما فالله تعالى أولى وأحق بهذا الندم فتوبا إلى الله وصفيا قلوبكما إليه ،

وافتحوا معه صفحة جديدة لعله سبحانه يتوب عليكم.

أما أنا فمن جانبي قد عفوت عنكما لعل الله يعفو عني يوم لا ينفع مال ولا بنون.

عاد زيدون إلى مرآته العجيبة نظر إليها أراد أن يطلب أمنيته الأخيرة لكنه توقف ثم رفع ملاءة بيضاء وغطى المرآة ،

وقال لدي الآن كل ما أتمنى لدي العائلة والأخوة والمال ولدي الصفاء وراحة البال فماذا أطلب أكثر من ذلك ،

أتمنى أن لا أضطر إلى التمني مرة أخرى.

Exit mobile version