اليمامتان
جاء في تاريخ الواقدي أن المقوقس عظيم القبط في مصر ، زوج بنته أرمانوسة من قسطنطين بن هرقل وجهزها بأموالها حشما لتسير إليه ،
حتى يبني عليها في مدينة قيسارية ؛
فخرجت إلى بلبيس وأقامت بها ، وجاء عمرو بن العاص إلى بلبيس فحاصرها حصارا شديدا ، وقاتل من بها ،
وقتل منهم زهاء ألف فارس ، وانهزم من بقي إلى المقوقس ، وأخذت أرمانوسة وجميع ما لها ،
وأخذ كل ما كان للقبط في بلبيس.
فأحب عمرو ملاطفة المقوقس ، فسير إليه إبنته مكرمة في جميع ما لها ، “مع قيس بن أبي العاص السهمي”؛ فسُرَّ بقدومها.
هذا ما أثبته الواقدي في روايته ، ولم يكن معنيًّا إلا بأخبار المغازي والفتوح ،
فكان يقتصر عليها في الرواية ؛ أما ما أغفله فهو ما نقصه نحن :
كانت لأرمانوسة وصيفة مولدة تسمى مارية ، ذات جمال يوناني أتمته مصر ومسحته بسحرها ،
فزاد جمالها على أن يكون مصريا ، ونقص الجمال اليوناني أن يكونه ؛ فهو أجمل منهما ،
ولمصر طبيعة خاصة في الحسن ؛ فهي قد تمل شيئًا في جمال نسائها أو تشعث منه ، وقد لا توفيه جهد محاسنها الرائعة ؛
ولكن متى نشأ فيها جمال ينزع إلى أصل أجنبي أفرغت فيه سحرها إفراغًا ، وأبت إلا أن تكون الغالبة عليه ،
وجعلته آيتها في المقابلة بينه في طابعه المصري ، وبين أصله في طبيعة أرضه كائنة ما كانت ؛ تغار على سحرها أن يكون إلا الأعلى.
إقرأ أيضا: ماري آن بيفان واحدة من السيدات التي لها قصة
وكانت مارية هذه مسيحية قوية الدين والعقل ، إتخذها المقوقس كنيسة حية لابنته.
وهو كان واليًا على مصر من قبل هرقل ؛ وكان من عجائب صنع الله أن الفتح الإسلامي جاء في عهده ،
فجعل الله قلب هذا الرجل مفتاح القفل القبطي ، فلم تكن أبوابهم تدافع إلا بمقدار ما تدفع ،
تقاتل شيئا من القتال غير كبير ، أما الأبواب الرومية فبقيت مستغلقة حصينة لا تذعن إلا للتحطيم ،
ووراءها نحو مائة ألف رومي يقاتلون المعجزة الإسلامية التي جاءتهم من بلاد العرب أول ما جاءت في أربعة آلاف رجل ،
ثم لم يزيدوا آخر ما زادوا على إثني عشر ألفًا.
كان الروم مائة ألف مقاتل بأسلحتهم ولم تكن المدافع معروفة ،
ولكن روح الإسلام جعلت الجيش العربي كأنه إثنا عشر ألف مِدْفَع بقنابلها ، لا يقاتلون بقوة الإنسان ،
بل بقوة الروح الدينية التي جعلها الإسلام مادة منفجرة تشبه الديناميت قبل أن يُعرَف الديناميت!