بائعة الكعك
بائعة الكعك
وبعد مرور عامين على وفاة زوجته التي تركت له نجمة صغيرة تدعى صوفي ، قرر أخيرا السيد عمر الزواج ،
كان طول هذه المدة لا يفكر في الأمر لأنه كان يخاف على ابنته.
كان يميل لإحدى زميلاته في العمل التي كانت تعجبه كثيرا ، إمرأة في السابعة والعشرين ربيعا ، جميلة المظهر ، حسنة الخُلُق ، ومثقفة.
أراد أن يفتح الموضوع مع إبنته الصغيرة ، لكنه كان يترصد الفرصة المناسبة لفعل ذلك.
كانا عائدين ذات مساء بالسيارة إلى البيت ، وحينها أخبر نفسه أنه عندما يأخد صوفي إلى سريرها لتنام سيخبرها بالموضوع.
وهو شارد في تفكيره نسي التوقف عند الخالة إلهام التي تبيع الكعك عند ناصية الشارع الذي يسكنونه ،
لتنبهه الأميرة صوفي قائلة : أبي لقد تجاوزت الخالة إلهام ، اشتقت لكعكها.
اعذريني يا صغيرتي لقد سهوت قليلا سأرجع للخلف.
الخالة إلهام هي إمرأة مسكينة ، أحكمت عليها الظروف من كل جانب ،
جميلة بطريقة بسيطة ولها وجه بشوش ، رغم أن العمل الدائم وإهمالها لنفسها جعلها تظهر كبيرة في السن ،
رغم أنها لم تتجاوز الثلاثة والعشرين عاما.
توقفت السيارة قبالة الخالة ، لتخرج صوفي راكضة إليها بلهفة عارمة ،
والأب يراقبها ويتذكر عندما كانت تركض نحو أمها ، كفرس صغير.
أخدتها الخالة إلهام في حضنٍ طويل ، حتى وصل الأب اليهما فألقى التحية.
ردت عليه إلهام كالعادة بوجهها البشوش الذي تزين خجلا ،
فسألها عن حالها وعن حال والدها المريض ، فأجابته تلك الإجابة المشفرة :
“كل شيء على ما يرام الحمد لله”
حينها كانت صوفي تستمتع بالنظر إلى الأشكال المختلفة للكعك الشهي ، فنطقت فجأة وبصوت عالي :
“أبي أريد الكعك من كل نوع”
إقرأ أيضا: رجفة الفقدان قصة قصيرة
ثم هرعت نحو الخالة إلهام مرة أخرى وهي تمسك ثيابها وتقول بعفوية ، أتقبلين أن تكوني أمي.
بقي الأب مصدوما لثواني ، لتنقذ إلهام الموقف بذكاء ، برفعها لصوفي من على الأرض نحو حضنها وهي تخاطبها ،
وهل تقبلين أنت أن تكوني أمي ، فأنا أيضا ليس لدي أم.
ردت صوفي وهي تضع يديها حول عنق إلهام :
نعم أقبل.
ثم ارتمت بحضنها ، لتقبلها هذه الأخيرة بكل حب وصدق وهي تخبرها ،
من اليوم فصاعدا ، أنت أمي الحبيبة وأنا أمك الحنينة.
بقي الأب منبهرا لهذا الموقف ، تلك الليلة بقي تفكيره مشغولا.
تذكر كيف تعلقت صوفي أول مرة بإلهام ، لقد كانت هذه الأخيرة تعامل الأطفال معاملة خاصة.
فكانت عندما ترى طفلا مع أهله تكلمه بطريقة طفولية فيها تعبير خالص عن روحها النقية ،
وقبل أن ينصرفوا من عندها ، تفتح علبة كبيرة ، مكتوب عليها بالخط العريض خاص بالملائكة ،
فتعطي الطفل حلوى جميلة ومزينة بألوان تجعلك تتمنى أن تصبح طفلا لتحصل على واحدة.
فصوفي حين أعطتها تلك الحلوى السحرية ، لم تتوقف عن ذكرها ، ومنذ ذلك الحين ونحن نشتري الكعك منها.
فكر كثيرا في إلهام ، إنها حقا قمر مضيء بمعنى الكلمة وابنته تحبها كثيرا ،
وفكر طويلا وبعيدا ، فقرر تلك الليلة أنه سيطلب الزواج من بائعة الكعك.
فرغم الفوارق الإجتماعية ، إلا أنه كان واعيا وغير أناني خاصة مع إبنته.
صحيح أن إلهام ليست فاتنة بالشكل المتداول ، وليست من نوعه المفضل ،
لكنه يؤمن أن الأطفال يحبون الأشخاص الأكثر نقاءا وأن اختيار صوفي حكيم وصائب أكثر من اختياره.
تفاجأت بائعة الكعك بعرضه فأخبرته أنها موافقة لكن بشرط ، وهو أن تأخد أباها معها
فأردفت :
إقرأ أيضا: لكنها مطلقة وتكبرك بعامين
فكما تعلم ، لقد تخليت عن حياتي وعن شبابي من أجل رعاية أبي ، ولا يمكن أن أتخلى عنه الأن.
كاد عمر يذرف الدموع لولا أنه قاوم مشاعره
وفي نفس الوقت على شأن هذه الأنسة عنده
ليرد عليها دون تردد ، وأنا قبلت الشرط.
تزوجت بائعة الكعك بالدكتور عمر ، وأخدت والدها المريض معها والذي توفي بعد سنة من زواجها.
وأصبحت صوفي أسعد الأطفال وتستمتع بشتى أنواع الكعك ،
والأب تيقن أنه تذوق الحب الحقيقي مع هذه السيدة ،
والسيدة إلهام رفعت كفيها حامدة ربها على جزائه بعد صبرها وعلى الأسرة العظيمة التي تملكها.
هناك أشخاص مخفيون يملكون مفتاح السعادة لكننا لا نستطيع رؤيتهم وسط ازدحام المظاهر ، لكن روح الأطفال تكشفهم.