تأملات في يوم أبي بكر
تأملت حديث أبي بكر رضي الله عنه المشهور ، والذي يسمى بحديث يوم الصديق ،
ذلك الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه أنه قال :
“قال رسول الله صل الله عليه وسلم : «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَا ، قَال : «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه : أَنَا.
قالَ : «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَال أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا ،
قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أنا ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم : «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ»”
عدت إلى بعض شروحات الحديث فوجدتها تتحدث عن فضائل الأعمال الأربعة ، وعن منزلة أبي بكر في الإسلام ، وسبقه أصحابه.
لكنني رأيت في الحديث ما هو أبعد من ذلك ،
رأيت الأعمال الأربعة مقسمة من حيث نوعية العبادة إلى ربع وثلاثة أرباع.
ربع يخص عبادة أبي بكر لربه فيما بينه وبينه ويتمثل في الصيام ،
أما ثلاثة أرباع العبادات الأخرى فهي تصب في نفع الخلق.
الصدقة وما فيها من تفقد المحتاجين ، وعيادة المريض وما فيها من المشي إلى الناس في سرائهم وضرائهم ،
واتباع الجنازة وما فيها من تأليف قلوب الأحياء ، وتوديع الأموات ، والالتقاء مع المسلمين في وداع أخيهم المسلم ،
كلها أعمال تخص الأمة تقاربًا وخدمة وتفقدا وتأليفًا للقلوب.
إقرأ أيضا: الحديث الذي دار بين النبي صل الله عليه وسلم ومع جبرائيل
وكأن الدين يقول لك : تزود بالربع ، واخرج إلى الناس مصلحا بثلاثة أرباع ، لأن العبادة عون على الدعوة.
دليل ذلك : “يا أيها المزمل * قم الليل إلا قليلا .. إلى أن قال له سبحانه : “إن لك في النهار سبحا طويلا”
أي أن قيام ليلك يا محمد عون لك على ما ينبغي أن تقوم به من دعوة الخلق والاختلاط بهم في نهارك ،
وهذا والله عين المطلوب لهؤلاء المساكين الذين ينتظرون بسمة الداعية ، وتفقد الجار ،
وإحسان المحسن ، وإغاثة الملهوف.
وما يفعل العصاة ، أو المحتاجون ، أو الضائعون بصلاتنا الطويلة ،
وكثرة صيامنا في الهواجر إن لم يكن وراء ذلك كله قلب حان ، ويدٌ بالخير ممتدة.
كان عمر رضي الله عنه يتعاهد الأرامل ، يستقي لهن الماء بالليل.
وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.
وقال ابن القيم – رحمه الله – في وصف شيخ الإسلام ابن تيمية : كان شيخ الإسلام يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس.
ولما قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ لِمُعَاوِيَةَ : إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صل الله عليه وسلم يَقُولُ :
مَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ ، وَالْخَلَّةِ ، وَالْمَسْكَنَةِ ، إِلاَّ أَغْلَقَ اللهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ ، وَحَاجَتِهِ ، وَمَسْكَنَتِهِ.
فجَعَلَ مُعَاوِيَةُ رَجُلاً عَلَى حَوَائِجِ النَّاسِ.
ما أعظم يوم الصديق إذا أحسن توزيعه كما يريد الله ، ربع لقلبك ، وثلاثة أرباع لقلوب غيرك.
ووالله لو وزع أحدنا يومه بهذا العدل ما بقي من أمة محمد مكلوم ولا مكروب ولا محتاج.
رضي الله عن أبي بكر ، فهم الدين فهما صحيحا فسبق أصحابه سبقا بعيدا ، فكونوا على أثره.