تابوت الموت المؤقت
تابوت الموت المؤقت
جهاز الرنين المغناطيسي المغلق تجربة حياتية لن تخرج بعدها كما دخلت ، قلبا وشعورا.
40 دقيقة وأنت مستلق على ظهرك ، مكان مظلم ضيق بارد ، لا يتحرك منك أي شيء ، صمت لا يقطعه إلا ضجيج الآلات.
لا تفتأ حينها تستحضر فكرة المال الأخير ، وتستشعر شيئا من تفاصيله.
كنت أظن الأمر سهلا لا يستحق التهويل والمبالغة ، فدخلت ولم يمض من الوقت إلا شيء يسير أظنه 10 دقائق ،
إلا وأنا بوحشة شديدة تجتاحني ما شعرت بها في عمري كله.
نفد صبري ، وضاقت نفسي التي بين جنبيّ وأنا أواجهها ، أفكر في عملي وما قدمت لحياتي.
فعزمت أن أقرأ ما يتيسر لي من محفوظي وأهدئ روعي بالقرآن ، وأنا مستلق لا أسمع ولا أرى أي شيء.
فبدأت مستعينا باللّه بالفاتحة ثم البقرة ،
وصلت لمنتصف الجزء الثاني ، وإذا بحفظي يتهاوى ويتداخل ، وأنسيت الآيات.
حيلتي عاجزة ، لا مصحف أعود إليه ولا سبيل لمراجعة محفوظي أبدا!
إعتراني خوف شديد لا يعلم به إلا الله
وما إستشعرت حينها شيئا كلحظة وجودي في القبر ،
وتخيلت نسياني لمحفوظي هناك ، ويا حسرة !
حفرة ضيقة أكثر ، بقائي فيها مضاعف دهرا طويلاً إلى أن يشاء اللّه ، لا أنيس لي فيها ولا سعة إلا بعملي ، ولا عودة لتصحيح ما مضى!
أخذت أتأمل :
إن كان هذا أمري الآن ، فكيف بيوم العرض الأكبر أمام رب العالمين؟
كيف لي أن أقف في مصافّ الحفاظ ، يقرأون ويرتلون ويرتقون في مراتب الجنة ،
بينما أنا غافلٌ لاهٍ قد وهبني اللّه القرآن ثم فرّطت فيه في حياتي أيما تفريط وأهملت
معاهدته وتفلّت؟
إقرأ أيضا: أمنيات أهل النار
يا حسرة تساوي العمر أجمع !
خرجت من هناك وركبت سيارتي وبدأت بالبحث عن المصحف ،
إحتضنته وأنا أدافع العبرات ، وأتحسس ملمسه ككنز ثمين فقدته طويلا.
إستشعرت حينها أن مرضي ، والتشخيص ، والفحوصات ، والأشعة كلها ما كانت إلا لأعيش تلك اللحظة.
أيقنت أنها البداية الحقيقية وأن عمري محسوبٌ بما بعدها.
وصية أود لو تصل ويسمعها الناس :
العمر فرصة لا ضمان لبقائها تزوّدوا من العمل ، ثبّتوا محفوظكم ، أتقنوا القرآن واجمعوه في صدوركم قبل أن ترفع المصاحف أو تخرج الروح ، ولا ينفع حينها ندم.