تروي إمرأة خمسينية عن زوجها فتقول كنت دائما أرى منه صوني حتى فيما ما لا أشهد
يتكلم عني إن غبت بالخير ويختار لي خيراً مما أختار لنفسي من اختيارات الحياة كلها.
مرت الأيام ومرضت والدته فأتى بها لتسكن عندنا ، كنت أبكي ألما عليها كانت حافظة للقرآن واليوم تنسى أسمائنا أحياناً.
في أحد الليالي افتقدته ولما بحثت عنه في البيت وجدته يوضئ والدته وهي تسأله :
جزاك الله خيرا يا بني ، ابن من أنت ؟
كان يمحو دمعه ويجيبها : ابن صديقتك.
فسألته : من منهم ، اعذرني يا حبيبي أنسى الأسماء ولا أعرف أحد.
أنت توضئني لأي صلاة؟
كان يمسح شعرها بالماء ويسقط دمعه عليها.
فقال : طلبت مني أن أوضئك لتصلي ركعتي قيام ، وانتحب.
فقالت : حسبته الظهر ، طيب لماذا تبكي يا ولدي.
فزاد بكاءه.
تناولت أنا منه الماء وأكملت وضوء قدميها ،
وأمسكت هي رأسه تسأله :
لما تبكي يا بني أنت رجل طيب ترعى إمرأة مثلي في آخر الليل سيفرج الله همومك.
فقال لها : ادعي لي ، فدعت ، واستقر بين يديها.
خرجنا من غرفتها أمسكت يده مطمئنة ، سألته : لما توضئها ؟ أظن أن التكليف قد سقط عنها دعنا نستفتي شيخا.
فقال : سقط عنها التكليف ولكن لم يسقط عن قلبي محبتها وبرها ،
فرحت لما طلبت مني أن تتوضا للقيام ، لكنها نسيت بعد دقيقتين (الزهايمر ) فرج الله عنها.
أذكر لها ، لما رعتني وأنا بلا عقل وكلمتني بلا أن اصغي واهتمت بشكواي قبل أن يكون لي لغة.
إقرأ أيضا: إمرأة عثرت على ثعبان صغير جائع
أراها تسأل عن الصلاة وتنسى بقية الآيات وتبكي لما تنسى أسماء عيالنا فينشق قلبي والله.
مرت الأيام وتوفيت والدته إلى رحمة المولى ، لكنني للأبد لم أنسى لطفه بها وحفظه للأمانة مهما مر الوقت.
ومرت السنوات وضاق رزقه فاضطر للسفر لكنه تردد لأجلنا.
استخار ولما نام رأى والدته في رؤيا قرت بها عينه كانت بخير مطمئنة ، وبعافية تامة وقالت له :
توكل على الله يا بني سافر سيحفظهم الله ، كنت دائما أدعو الله لك أن تكون حافظاً لكتاب الله وغائبة عباده وصائنا لهم ،
وأن يحفظ الله غائبتك .ط
اطمئن يا ولدي ما دمت ترعى من الناس سرهم ومالا يرون فقد استجاب الله الدعاء وسيحفظ بيتك في غيابك.
توكل على الله بعدها واليوم نحن معا وابنتنا الكبرى تحمل شهادة الماجستير من ذات البلد.
لقد شهدت ثمرة دعاء تلك الأم لابنها ، ( لا أحد يعرف الرجل كزوجته ، كان أمينا جدا علينا ).
والله لم يضيع أمانته أبدا ، كان شديد الحفظ لنا ، رقيق القلب ، عظيم المودة ،
لم يكسر خاطري في جواره ولا مرة ولا حملت هما للحياة في جواره أبدا.
إنه حتى لما سافر كان يسألني كل يوم :
أتجدين في قلبك حزنا مني أو غضبا من حالي؟
وكنت أقسم أنه حتى في بعده يكفينا عن الدنيا وكنت صادقة.
اليوم أبر الله وعد والدته والله لا يضيع ودائعه أبدا.