تزوجها بالطريقة التي طالما أرادها أن ترى أمه فتاة في إحدى المناسبات من عائلة مماثلة لهم ،
وتعاينَ أدق تفاصيلها وتتأكد أنها مطابقة للمواصفات التي يُحبها ، فقد كان همه الوحيد هو الجمال والنسب ،
فلم تَدم الخطوبة سوى بضعة أسابيع ، لأن حاله المادي كحال عائلتها كما يقولون ” فوق الريح” ،
ولأنها كانت تعامل كأميرة ببيت أهلها ، وكل كلامها مطاع ؛ زوجوها رجلاً بنظرهم حلم أي فتاة ” جمال ومال”
كي يلبي طلبات إبنتهم التي لا تنتهي فلا تشعر أن وضعها قد تغيّر عليها ولو بمقدار ذرة ، لتبدأَ بعد زواجهما بأسبوع واحد رحلةَ المشاكل ،
فقد كان رجلا يرغب إن قال لزوجته أن اللبن أسود ، يجب أن تقول له معك كل الحق ، وهذا الذي لم تعتد عليه ،
فقد كانت ترى موافقتها له على أي طلب تعني الرضوخ له ؛ وأول مشكلة كانت عندما قال لها بشكل مفاجئ :
لقد وعدتُ أهلي أننا سنذهبُ اليوم مساءاً لنسهرَ عندهم فانتفضت غاضبة وعَلا صوتها وهي تقول :
مساءاً يعني بعد ساعتين ؟! ولم لم تخبرني قبل يومين ، إفرض أنَّ لا رغبةَ لي بالخروج من المنزل ؟!
فاشتعلت نيران الغضب داخله ، فلم يجد نفسه إلا وقد ضربها كفا أخرج الشرار من عينيها ، وشلها عن الحركة بضع دقائق ،
فلم يستطيعا الذهاب كيلا يرى أحد علامات أصابعه على وجهها فلا يستطيعا تبرير ذلك أمام أهله ،
فاعتذر منهم بحجة أنها متعبة قليلا.
لم تقف المشاكل عند تلك المشكلة ، فبكل إختلاف بينهما ، وحتى إنن جلبت شيئاً للمنزل بدون علمه وموافقته عليه ،
كان يضربها بعد مشادة كلامية بينهما ، وعندما تحاول رد ضربته أو تدعو عليه ،كان يتحول ضربه لها لضرب مبرح.
لم تكن تخبر أحدا من عائلتها حتى أمها ، ولا عائلته ، خشية أن تهتز صورتها أمامهم ،
وحتى إن إضطرت أن تُقابل أحداً وعلامات الضرب على وجهها كانت تُبرر ذلك بأنها وقعت من السلم ،
إقرأ أيضا: كان شابا له وجهة نظر بالزواج فقد كان يراه دوما كقفص
أو إصطدمت بالجدار أو بعمود أو بأحد المارة في الشارع أو سقطت عليها حلة في المطبخ ،
فكانوا يرجحون كل الحوادث التي تحصل معها للعين التي أصابتها بسبب زواجها من فارس أحلام كل فتاة.
ومع مرور الأشهر لم يتغير بينهما شيء ، فبكل مرة يضربها بها كان يصالحها بقطعة ذهب أو ملابس غالية الثمن مع خروج لأفخم المطاعم ،
فكانت تفوت له كلّ شيء ، فلم يتغير أحد منهما ، ولا أوصلا نفسيهما لحل يرضيهما ،
غير أنهما كانا رافضان أن يدخلا أحدا من عائلتيهما بينهما ،
فكانا مع فكرة أنه لا يجب أن يعرف حتى أقرب المقربين بخصوصيات بيتهما ، لحين أنجبت مولودهما الأول.
ولأنهما كانا في حالة هدنة ، مضت بضعة أشهرٍ بعد ولادتها ، كنفس أشهر حملها ،
فقد تجنب الحديث معها خشية أن يؤذي غضبها ولي العهد وهو جنين في بطنها ،
وبنفس الوقت قد تجنبت أن تقوم بأي فعل قد يثير غَضَبَهُ خشية أن يضربها ضربة تودي بحياة جنينها ،
فقد كان سبب قبولها للزواج وخسارة دلال عائلتها ، هو أن تصبح أما.
إعتادا على ذلك الحال ، لحين جاء اليوم الذي أيقن به أنه قد تعرض لعملية نصب في عمله ،
فعاد إلى المنزل وهو يستشيظ غضبا ، وكان عازما ألا يخبرها خشية أن تتفوه بكلمة ساخرة تجعله يودي بحياتها ،
فدخل كالمعتاد في وقت الغداء ليتفاجأ أنها لم تطهو شيئاً ، فغضب غضبا شديدا :
أين الطعام يا عديمة الفائدة.
فكانت آخر كلمتين كفيلتين بإعادة تذكيرها بطبيعتها التي اعتادت عليها ، فصرخَتْ قائلة :
من عديمة الفائدة ، يا صاحب اللسان الطويل ، لو عرفت أنكَ قليل التهذيب لما تزوجتك.
كانت تلك الجملةِ كفيلة بجعله ينقلب لرجل آخر ، فأصبح يضربها بلا وعي واستمر ضربه لها وقتا لم يأخذه قط ،
مما جعل الجيران يهرولون بسبب صراخها وكادوا أن يكسروا الباب وهم يقولون :
ستقتلها إتق الله لديكما ولد.
مما جعله يعود إلى رشده بلحظة وفتح الباب فهرولت النساء إليها وعندما رأينها ملقاه على الأرض ،
إقرأ أيضا: طرفة سياسية
وقد أوشكت أن يغمى عليها وهي عاجزة عن الحركة ،
نقلناها إلى المشفى مع أزواجهن الذين كانوا بانتظارهن عند الباب ،
وزوجها واقف كتمثال محنط من هول الصدمة ،
فحملت إحدى الجارات إبنه ووقفت مع زوجها كي تتصل بأم جارتها لأنها كانت على معرفة بها.
هرولت عائلتها بذعر إلى المشفى ، التي كانت قد طلبت الشرطة للتحقيق ،
وعندما شهد الجيران أن زوجها الجاني ، قاموا بالقبض عليه ، وزجه بالسجن.
وبعد أنْ حدد الأطباء وقت إن لم تصحو خلاله ستدخل بغيبوبة ربما أبدية ؛ أفاقت بأعجوبة ،
وكأنها كانت تعارك الموت كي لا تدع إبنها يحيا بدونها.
مضت ساعات اإسترجعت المرات التي ضربت بها لحين آخر مرة ، ورأت أنها كانت تهان لرفضها أن تعيشَ كجارية عنده ،
فهي لم تحتمل نعتها بعديمة الفائدة كونها لم تطهو بسبب إنشغالها بابنها ،
ولآخر وقت كانت تعتقدُ أنها ستستطيع طَهوَ أي شيء سريع قبل قدومه ،
فلم تُخبرهُ أن يُحضِر شيئاً معه لأنها كانت تعلم أنه يمقت تناول وجبات الطعام الجاهزة ،
لأنه بكل مرة يأخذها للمطعم كان لا يشرب سوى فنجان قهوة ويطلب لها الطعام.
وتذكَرت بأنّ خوفها الذي طالما خشيَتْهُ أنْ يحصل قد حصل ؛ فقد إهتَزت صورتها أمام عائلتيهما ،
مما جعلها ترفع دعوى طلاق إلى جانب محاولة القتل العمد.
إقرأ أيضا: براءة الأطفال
واستطاعت أن تأخذ الحكم بالطلاق البالغ السرعة بسبب التقرير الطبي إلى جانب حضانة إبنها ،
وبعد ذلك تَنازَلَتْ عن حقها لأجل إبنها ، ولكن أُطلِقَ سراحه بعد أن أمضى مدة أقل من التي سيمضيها لو لم تتنازل عن الدعوى.
ولأنَّ كل الناس أصبحوا على علم بأن زوجته لا تحترمه ، مضى كل يوم له في السجن وهو يزداد كرهاً لها ،
فقد كان يجدُ أنَّ كل الحق معه بضربها لعدم إحترامها له ، وحتى لو بالغَ آخرَ مرة فلديه عذره ،
وما إن خَرَجَ حتى تزوّج إمرأة من اللواتي يَحلُمْنَ به بعد أن ألقى كل اللوم على طليقته ،
التي عاشت بقية حياتها تُرّبي إبنها خشية أن يَحرمها منه بأي طريقة إن تزوجَتْ ،
وربَّتْهُ لأنْ أصبحَ شاباً فرفضَ تركها والعيش مع أبيه ، ولم يأخذْ أياً من صفاته ، إلا شكله الوسيم.