تطهير القلب هو أحد ركني المحبة
اعلم أيها الحبيب بأن الطهارة من أسباب قوة المحبة وقوة معرفة الله تعالى واتساعها واستيلاؤها على القلب ،
وذلك بعد تطهير القلب من جميع شواغل الدنيا وعلائقها يجري مجرى وضع البذر في الأرض بعد تنقيتها من الحشيش وهو الشطر الثاني.
ثم يتولد من هذا البذر شجرة المحبة والمعرفة وهي الكلمة الطيبة التي ضرب الله بها مثلاً حيث قال :
{ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء}
وإليها الإشارة بقوله تعالى : {إليه يصعد الكلم الطيب} أي المعرفة {والعمل الصالح يرفعه}.
فالعمل الصالح كالجمال لهذه المعرفة وكالخادم وإنما العمل الصالح كله في تطهير القلب أولاً من الدنيا ،
ثم إدامة طهارته فلا يراد العمل إلا لهذه المعرفة.
وأما العلم بكيفية العمل فيراد للعمل ، فالعلم هو الأول وهو الآخر وإنما الأول علم المعاملة وغرضه العمل وغرض المعاملة صفاء القلب وطهارته ،
ليتضح فيه جلية الحق ويتزين بعلم المعرفة وهو علم المكاشفة.
ومهما حصلت هذه المعرفة تبعتها المحبة بالضرورة كما أن من كان معتدل المزاج إذا أبصر الجميل وأدركه بالعين الظاهرة ،
أحبه ومال إليه ومهما أحبه حصلت اللذة فاللذة تبع المحبة بالضرورة والمحبة تبع المعرفة بالضرورة ،
ولا يوصل إلى هذه المعرفة بعد انقطاع شواغل الدنيا من القلب إلا بالفكر الصافي والذكر الدائم والجد البالغ في الطلب ،
والنظر المستمر في الله تعالى وفي صفاته وفي ملكوت سمواته وسائر مخلوقاته.
والواصلون إلى هذه الرتبة ينقسمون إلى الأقوياء ويكون أول معرفتهم بالله تعالى ثم به يعرفون غيره ،
وإلى الضعفاء ويكون أول معرفتهم بالأفعال ثم يترقون منها إلى الفاعل وإلى الأول الإشارة بقوله تعالى :
أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد وبقوله تعالى : {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.
إقرأ أيضا: حوار بين حكيم وصبي
ومنه نظر بعضهم حيث قيل له بم عرفت ربك قال عرفت ربي ولولا ربي لما عرفت ربي وإلى الثاني الاشارة بقوله تعالى :
{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}
وبقوله عز وجل أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض ،
وَبقوله تعالى : قل انظروا ماذا في السموات والأرض ،
وبقوله تعالى : الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير.
وهذا الطريق هو الأسهل على الأكثرين وهو الأوسع على السالكين وإليه أكثر دعوة القرآن عند الأمر بالتدبر والتفكر ،
والاعتبار والنظر في آيات خارجة عن الحصر.