تفكرت في سر الإستغفار الكثير للنبي صل الله عليه وسلم طوال يومه ، بل وربما على مدار الجلسة الواحدة ،
كما في حديث إبن عمر الصحيح : إن كنا لنعد لرسول الله صل الله عليه وسلم في المجلِسِ الواحد مائة مرة :
رب اغفر لي ، وتب علي ، إنك أنتَ التواب الرحيم.
تفكرت في الأمر كثيرا ، لم يكن النبي صل الله عليه وسلم صاحب ذنوب ، ولا حمال مظالم تجعله دائم الإستغفار كثير التوبة.
ربما كان يتعامل معه كنوع من أنواع الذكر يطلق به لسانه كل حين ،
وربما لأنه مأمور به وإن لم يذنب ، واستغفر لذنبك.
ربما وربما.
لكن الذي وقع في نفسي من وراء هذا الإستغفار الكثيف الكثير ، أن الله عز وجل لا يريد لأحدنا ،
وأولنا رسولنا أن نعيش حالة الرضا عن النفس ، والشعور بأننا على أكمل حال ، وأتم طاعة ،
ذلك لأن العبد كلما راوده الشعور بالتقصير إستمر في الجبر.
لذلك كان من صفات المؤمنين :
“والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة”
أي رغم أنهم فعلوا ما أمروا به إلا أنهم يخشون ألا يقبلون!
لذلك نحن مأمورون بالإستغفار ثلاثا بعد التسليم من كل صلاة مهما بلغ خشوعنا فيها حتى يجبر الإستغفار ما نقص من الصلاة ،
وحتى يبقى فينا الشعور الدائم بالتقصير.
وهذا ما انعكس على الصالحين في حياتهم ،
فكلما علا شأن أحدهم في الدين كلما إعتبر نفسه أعظم المقصرين.
قال رجل لابن مسعود : ما أحب أن أكون من أَصْحَاب الْيَمين ، أحب أن أكون من المقربين.
إقرأ أيضا: عشرة أماكن لا تجوز الصلاة فيها
فَبكى عبدالله وقال : لَكِن هَهُنَا رجل ود وأنه مَاتَ لم يبْعَث ، يعْنِي نَفسه!
هو ، هو نفسه إبن مسعود الذي قال يوما لأصحابه :
“لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب”.
هذا الشعور عندما يلازم المرء يجعله دائما صغيرا في عين نفسه ، وإن عظم عند كل الناس.
بينما بعضنا تنتفخ أوداجه ، ويحمر وجهه إذا نسي في أمر أو لم يأخذ حقه من الثناء والإطراء ،
والله أعلم بما يخبئه عن الناس من تقصير بل وربما كبائر!
وقال تعالى من سورة الذاريات :
وبالأسحار هم يستغفرون”.
قاموا وصلوا ودعوا وبكوا لكنهم من فرط شعورهم بالتقصير إستغفروا!
الرضا عن النفس مهلكة يا سادة ، فتخلصوا مما علق منها في قلوبكم ، والقوا الله بنفوس العبيد يحشركم مع السادة.
هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وهو في الموت يؤذيه ثناء إبن عباس عليه فيقول لابنه :
“ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ، ثم قال : ويل أمي ، إن لم يغفر لي. قالها ثلاثا ، ثم مات.
ليتنا نتعامل مع الله بهذه الخفايا القلبية ، ومنها أن ندخل عليه من باب الشعور بالتقصير حتى وإن أتممنا ،
فكيف وقد عصينا وقصرنا؟!
أستغفرك اللهم وأتوب إليك مقصرا ومتما.