تقول إحداهن لقد توفيت منذ شهر نزيلة بالدار إسمها الحاجة عائشة عن عمر يناهز الثانية والثمانون عاما ولقد أتت إلى الدار منذ عشرون عاما.
وما زلت أتذكر هذا اليوم جيدا
لقد أتى بها إبنها الدكتور أمجد ،
ولقد كان وجهها شاحبا وتكاد لا تتحدث إلا بإيماءات قليلة.
وعندما تحدثت معها أخذت في البكاء الشديد
وقالت لقد كنت أعمل بمهنة التدريس للغة الفرنسية ،
وتعرفت على زميل لي مدرس للغة الفرنسية أيضا وصارحني بإعجابه لي ورغبته في الزواج مني ،
فوافقت على الفور لأن أخلاقه وصفاته جيد.
ولقد تم الزواج والسنين مرت سريعا وأنجبت ثلاثه أبناء ، رقية وسهيلة وأمجد.
وكاد لا يمر على زواجي عشرة سنوات ليموت زوجي إثر حادث ليترك لي مسؤولية ثلاثة أبناء مسؤولية كاملة.
وأكملت رسالتي مع أبنائي ورفضت الزواج مرة أخرى رفضا قاطعا مع كل الضغوطات من عائلتي ،
لأن عمري وقتها كاد لا يتعدى السادسة والثلاثون ، ولكن كرست كل حياتي لهم.
وعملت بالمدرسة وبالدروس الخصوصية ليلا ونهاراً لأكمل تعليمهم في مدارس إنترناشونال ،
وليظهروا بمظهر جيد أمام المحاطين بنا وكذلك أمام زملائهم بالمدرسة والنادي.
وكان يومي مشغول جدا ما بين عملي ومذاكرة أولادي وتمارين النادي.
ولكن مرت الأيام سريعا ، ليكبروا أطفالي ويتخرجون من كليات القمة.
وسافرت رقيه لإستكمال دراستها بإنجلترا وتعرفت على زميل لها وتزوجت واستقرت بالغربة.
وابنتي الثانية لقد تزوجت بأستاذها بالجامعة وجاءه عمل بدولة عربية وسافرت معه.
أما إبني الدكتور أمجد
لقد أراد الزواج من طبيبة زميلته ، وطلب مني أن يتزوج في منزلي فوافقت على الفور ،
إقرأ أيضا: قصة لوحة
وتم تجديد المنزل من كل شيء لأرى السعادة في عين إبني.
وتزوج وإذا بزوجته تعاملني معاملة غريبة الشكل وكأنني خادمة لها ،
ولكن أمام إبني تتعامل معي وكأنها هي خادمة لي.
ومرت الأيام ورزق الله عز وجل إبني بأطفال ولقد ضاق المنزل بنا ،
والظروف لا تسمح لتوفير منزل أوسع
لأن زوجته تصرف مبالغ طائلة على ملابسها ومظهرها ،
وكل عام تقوم بتغيير نوع سيارتها للأحدث ولم يتبق إلا بعض المصاريف.
فاقترحت زوجته بأن يذهب بي إلى دار للعجزة ، وأنا لا اعلم شيئا إلا أن في يوم من الأيام قال لي إبني :
امي أحضري حقيبتك فأنا أريد أن أذهب معكي في نزهه ،
ولقد فرحت فرحا شديدا فأنا من زمن لم أتنزه فقد كان يأخذ زوجته وأولاده إلى المصيف ،
ويتركني وحيدة أتحدث مع جدران منزلي.
فقلت له إلي أين يا بني
قال إلى البحر.
وبالفعل وضعت كل ما هو جميل من ملابسي وأشيائي في حقيبتي.
وفي الصباح
قال أمجد هيا أسرعي يا أمي
فقلت له أنذهب أنا وأنت فقط.
يا بني أحضر معنا زوجتك وأولادك
قال لي لا فالنزهة لكي أنتي وحدك.
وبالفعل إستقلينا السيارة
وبعد نصف ساعة توقف أمجد وقلت له مسرعة أوصلنا بهذه السرعة ،
وقال بحده إنزلي يا أمي وبعد بضعه دقائق أرى أمامي لافته مكتوب عليها دار للعجزة.
ولقد تسمرت مكاني
وزادت ضربات قلبي
وأنزلني رغما عني.
وها هنا أنا الأن أمامك يا سيدتي ،
وبذلك أنهت حديثها الحاجة عائشة.
وخلال العشرون عاما لم يأتي أحد من أبنائها لزيارتها ، إلا رقية لقد أتت مرتين أو ثلاثة بالكثير لرؤية والدتها.
وقبل وفاة الحاجة عائشة
لقد إتصلنا بأبنائها وشرحنا لهم
حالتها الصحية ورغبتها في رؤيتهم هم وأحفادها ،
ولكن للأسف لم يأت أحدا لزيارتها
إلا بعد وفاتها أتى الثلاثة أبناء معا
لاتخاذ إجرائات إعلان الورثة.