تقول بعد شربه لقهوته أخذت الفنجان عنه ، وأثناء ذلك وقع مني سهوا وانكسر ،
ولحسن حظي أني انتبهت وسحبت قدمي قبل حدوث جروح عليها أو أسفلها إن دست على قطع منه.
صرخ زوجي معاتبا إياي على الفنجان المكسور بطريقة لم أعتدها منه ، لقد كان آخر فنجان بين مجموعته ، جميعها كسرت ،
لم ينتبه لها حتى ، فكيف يلومني الأن على آخر فنجان منها!
انزعجت جدا من ردة فعله ، فأخذت أجمع قطع الزجاج المكسور في غضب عارم ،
أتمتم بكلمات غير مفهومة له ، كان واضحا جدا له انزعاجي منه ، لدرجة كادت تصل للبكاء ،
ولأنه انتبه لذلك ، أوقفني قبل ذلك ثم سألني : ما بك؟
استجمعت قواي وأجبته في هدوء : لم أفهم طباعك بعد ، سبق وإن أفسدت في أيام زواجنا الأولى رخصة سياقتك مع الغسيل ،
ورغم أن استخراج رخصة جديدة أخذ منك وقتا ووثائق عدة ، إلا أنك اكتفيت فقط بالتحسر ،
لم تعاتبني ، لم تصرخ ولم تلمن كما تفعل بسبب هذا الفنجان الخارق!
حينها انفجر ضاحكا ثم قال : نعم هو خارق فعلا ، ومن قال غير ذلك ،
كادت أجزاؤه الحادة أن تسبب لك جرحا عميقا لو دست عليه بقدمك!
بينما الرخصة لا يمكن لقطعها الصغيرة المبتلة أن تفعل ذلك ، كيف ستفعل وقد كانت تطفو بهدوء على سطح مياه الغسيل الباردة وهي مستمتعة جدا بوقتها برفقتك!
لم أستطع إمساك ضحكتي أكثر ، فقد كان شكلها يبدو كذلك حقا ،
حينها تنهدت فقد أدركت أن صراخه كان من خوفه علي وليس بسبب الفنجان كما اعتقدت ، إلا أن الكلمات تخونه دوما كعادته.
إقرأ أيضا: قصة واقعية ادرجت في كتاب تطوير الذات
واصلت جمع القطع المكسورة وأنا أبتسم عكس السابق ، كنت افكر في شجارتنا العديدة منذ زواجنا ،
لقد كانت هكذا دوما ، كبيرة كانت أو صغيرة ، ورغم كثرتها إلا أن كلانا لا يدرك عددها ، لكنها بلا شك بعدد المرات التي تصالحنا فيها ،
فبعد كل شجار أو خصام نعود وكأن شيئا لم يكن ، كان أمرا نادرا لا يحدث لنا مع الكل ،
فلو بحثنا عن المكان الوحيد الذي يعود إليه أي إنسان كان ، مهما هجره وابتعد عنه ، مهما صار قديما أو انكسرت أجزاء منه ،
لوجدنا أنه البيت ، هكذا كان هو بالنسبة لي ، وهكذا كنت بالنسبة له ، مخطئ من يظن أن البيوت تبنى من الخرسانة والجماد فقط ،
هناك بيوت داخل بيوت ، بينما هناك بيوت خالية من كل شيء!
بجدران من الإحتواء ، وسقف تزينه المحبة ، وأبواب تسوقنا للرحمة بنينا بيوتا داخل بيتنا ،
مهما بلغت ثغراته وتشققاته ، تعاونا للملمتها حتى تختفي ولا تظهر في حياتنا من جديد.