توبة شابين في المطار
على حضرات الركاب المسافرين على الرحلة رقم كذا ، والمتوجهة إلى كذا ، التوجه إلى صالة المغادرة ، إستعدادا للسفر.
دوى هذا الصوت في جنبات مبنى المطار ، أحد الدعاة كان هناك جالسا في الصالة ، وقد حزم حقائبه ،
وعزم على السفر إلى بلاد الله الواسعة للدعوة إلى الله عز وجل.
سمع هذا النداء فأحس بامتعاض في قلبه ، إنه يعلم لماذا يسافر كثير من الناس إلى تلك البلاد ، وخاصة الشباب.
وفجأة لمح هذا الشيخ الجليل شابين في العشرين من عمرهما أو تزيد قليلا ،
وقد بدا من ظاهرهما ما يدل على أنهما لا يريدان إلا المتعة الحرام من تلك البلاد التي عرفت بذلك.
لابد من إنقاذهما قبل فوات الأوان قالها الشيخ في نفسه ، وعزم على الذهاب إليهما ونصحهما ،
فوقف الشيطان في نفسه ، وقال له : ما لك ولهما؟! دعهما يمضيان في طريقهما ويرفها عن نفسيهما ، إنهما لن يستجيبا لك.
ولكن الشيخ كان قوي العزيمة ، ثابت الجأش ، عالما بمداخل الشيطان ووساوسه.
فبصق في وجه الشيطان ، ومضى في طريقه لا يلوي على شيء ، وعند بوابة الخروج ،
إستوقف الشابين بعد أن ألقى عليهما التحية ، ووجه إليهما نصيحة مؤثرة ، وموعظة بليغة ،
وكان مما قاله لهما : ما ظنكما لو حدث خلل في الطائرة ، ولقيتما لا قدر الله حتفكما وأنتما على هذه النية ،
قد عزمتما على مبارزة الجبار جل جلاله ، فأي وجه ستقابلان ربكما يوم القيامة؟.
وذرفت عينا هذين الشابين ، ورق قلباهما لموعظة الشيخ ، وقاما فوراً بتمزيق تذاكر السفر ،
وقالا : يا شيخ : لقد كذبنا على أهلينا ، وقلنا لهم إننا ذاهبان إلى مكة أو جدة ، فكيف الخلاص؟ ماذا نقول لهم؟
وكان مع الشيخ أحد طلابه ، فقال : إذهبا مع أخيكما هذا ، وسوف يتولى إصلاح شأنكما.
ومضى الشابان مع صاحبهما وقد عزما على أن يبيتا عنده أسبوعا كاملا ، ومن ثم يعود إلى أهلهما.
إقرأ أيضا: ﺷﻜﺮﺍ لسيدنا ﻳﻮﺳﻒ
وفي تلك الليلة ، وفي بيت ذلك الشاب تلميذ الشيخ ألقى أحد الدعاة كلمة مؤثرة زادت من حماسهما ،
وبعدها عزم الشابان على الذهاب إلى مكة لأداء العمرة ، وهكذا : أرادا شيئاً وأراد الله شيئاً آخر ، فكان ما أراد الله عز وجل.
وفي الصباح ، وبعد أن أدى الجميع صلاة الفجر ، إنطلق الثلاثة صوب مكة شرفها الله بعد أن أحرموا من الميقات ،
وفي الطريق كانت النهاية ، وفي الطريق كانت الخاتمة ، في الطريق كان الإنتقال إلى الدار الآخرة.
فقد وقع لهم حادث مروع ذهبوا جميعا ضحية ، فاختلطت دماؤهم الزكية بحطام الزجاج المتناثر ،
ولفظوا أنفاسهم الأخيرة تحت الحطام وهو يرددون تلك الكلمات الخالدة : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك.
كم كان بين موتهما وبين تمزيق تذاكر سفرهما لتلك البلاد المشبوهة؟!
إنها أيام ، بل ساعات معدودة ، ولكن الله أراد لهما الهداية والنجاة ، ولله الحكمة البالغة سبحانه.
أخي المسلم ، أختي المسلمة : إذا نازعتك نفسك الأمارة بالسوء إلى معصية الله ورسوله ،
فتذكر هادم اللذات وقاطع الشهوات ومفرّق الجماعات ، الموت ،
واحذر كل الحذر أن يأتيك وأنت على حال لا ترضي الله عز وجل فتكون من الخاسرين.
وإذا خلَوتَ بريبة في ظُلمة
والنفس داعية إلى العصيان
فاستحيي من نظرِ الإله وقل لهـا
إن الذي خَلَقَ الظلام يراني.