توعد الله تعالى المتكبرين الذين يتكبرون على عبادة الله تعالى ، وعلى خلق الله بأشد أنواع العذاب يوم القيامة ؛ فالكِبْرُ صفة مذمومة ،
ذمها الله سبحانه وتعالى في كتابه ، وحذَّرَنا منها رسولُنا صل اللهُ علَيه وسلَّم ، كما يقولُ في هذا الحديثِ :
“يُحشَرُ المتكبِّرون” ، أي : يَحشُرُ اللهُ سبحانه وتعالى أو يأمُرُ الملائكةَ أن تَحشُرَ المُتكبِّرين الَّذين يتَكبَّرون على عِبادةِ اللهِ تعالى ،
وعلى خَلْقِ اللهِ تعالى ، والكِبرُ : إنكارُ الحق وتَحقيرُ النَّاسِ ، “يومَ القيامةِ” ، أي : يَحشُرُهم يَومَ القيامةِ في أرضِ المَحشَرِ ،
وهم “أمثالُ” ، أي : مِثلُ وفي حَجْمِ ، “الذَّرِّ” ، أي : النَّملِ الصَّغيرِ ، وقيل : إنَّ مِئةَ نَملةً مِنها وَزنُ حبَّةٍ ،
وقيل : الذَّرَّةُ يُرادُ بها ما يرى مِن هباءٍ وغُبارٍ في شُعاعِ الشَّمسِ الدَّاخِلِ في النَّافذةِ ، في “صُورِ الرِّجالِ” ،
أي: على صُورِ الرِّجالِ في هيئَتِهم ، ولكن حَجْمَهم حَجمُ النَّملِ في الصِّغَرِ والحقارةِ ،
“يَغْشاهم” ، أي : يأتيهم ويَنالُهم ، “الذُّلُّ”، أي : المهانةُ ، “مِن كلِّ مكانٍ” ومِن كلِّ جانبٍ بأنْ يطَأَهم الخلائقُ ويَدوسوا عليهم بأرجُلِهم ؛
وذلك الجَزاءُ مِن جِنسِ عَملِهم ؛ فإنَّهم لَمَّا تَكبَّروا وأرادوا العِزَّةَ والعُلوَّ بغيرِ الحق ،
أذلَّهم اللهُ تعالى وصَغَّرَ وحَقَّرَ شأنَهم ؛ فعُومِلُوا بنقيض قَصدِهم جَزاءً وفاقًا.
ثمَّ “يُساقون” ويُسحَبون ويُجَرُّون ، أي : تَسوقُهم الملائكةُ بأمرِ ربِّها إلى “سِجْنٍ” ، وهو المكانُ المُظلِمُ الضَّيِّقُ المُعَدُّ للحبسِ “
في جَهنَّمَ” ، أعَدَّه اللهُ تعالى للمُتكبِّرين ، “يُسمَّى” هذا السِّجنُ باسمِ “بَولَسَ”- بفتحِ الباءِ وقيل : بضَمِّها ،
وسكونِ الواو وفتحِ اللَّامِ- قيل : هو مِن (الإبلاسِ) ، بمعنى : اليأسِ ، ولعلَّ هذا السِّجنَ إنَّما سُمِّي به ؛
لأنَّ الدَّاخِلَ فيه يائسٌ مِن الخَلاصِ عمَّا قريبٍ ، “تَعْلوهُم” ، أي : تأتي مِن فوقِهم ،
إقرأ أيضا: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ واضربوهن
وتَغْشاهم وتُحيطُ بهم “نارُ الأنيارِ” ، جمعُ نارٍ ، وأُضيفَ إليها لفظُ نارٍ ؛ للمُبالَغةِ في الإحراقِ وشِدَّةِ الحرِّ ،
وقيل : إنَّها أصلُ نيرانِ العالَمِ ، “يُسقَون” بصيغةِ المجهولِ ، أي : تَسْقيهم الملائكةُ مِن خزَنةِ جَهنَّمَ بأمرِ ربِّها ،
“مِن عُصارةِ أهلِ النَّارِ” ، وهو ما يَسيلُ مِن دَمٍ وقيحٍ وصديدٍ مِن أهلِ النَّارِ ، ونَتنِهم ، وهذه العُصارةُ تُسمَّى
“طِينةَ الخَبالِ” ، أي : الفسادَ الَّذي يَفسُدُ به البدَنُ.
وفي الحديثِ : ذَمُّ الكِبْرِ والمتكبِّرين ، وبيانُ سُوءِ عاقِبَتِهم.
وفيه: تَعدُّدُ أنواعِ العَذابِ في النَّارِ، أعاذَنا اللهُ منها.