توفى صديق عزيز علي عام 1990م
توفى صديق عزيز علي عام 1990م ، فحزنت لوفاته ، وأكثرت زيارة قبره والجلوس عنده والدعاء له.
وبعد فترة من الزمن : حضرت تشييع جنازة في نفس المقبرة ، فنظرت داخلها ، فإذا بصديقي راقدا في مكانه ،
هامدا في موضعه ، مستسلما للدود والهوام التي تنهش بدنه.
وﻻحظت أن كفنه قد تلطخ بالدم والصديد كعادة الموتى ، فقلت :
والله ﻷشترين له كفنا جديدا نظيفا وألفه فيه ، وفعلت ،
وعاهدت ربي على أن آتيه بكفن جديد كلما فتح القبر ﻻستقبال وافد جديد على عالم الموتى.
وبعد فترة : فتح القبر وعلى يدي الكفن الجديد كهدية لصديقي ، ولففته فيه ، لكنه كان هيكلا عظميا ،
ذهب منه الشحم واللحم ، وتبقى العظم متماسكا كبناء يوشك على التهاوي تحت ضربات الموت والفناء.
وبعد فترة : فتح القبر ، وعلى يدي كفن جديد ، وهممت بلفه فيه ، لكن لم أجد منه إﻻ كومة من تراب كالرماد المحروق!
فقلت في نفسي : أين صديقي؟ أين من جالسته وجالسني! وقرأت عليه القرآن وقرأ علي!
وأين من كانت ضحكاتنا تملأ الدنيا! أين من كان حضنه أشعر فيه بحرارة المحبة ودفء اﻷخوة!
فقلت لي نفسي : هو ذاك ، كومة التراب.
ونظرت خارج القبر : فإذا بين الداخل والخارج مسافة قصيرة ، وحياة قصيرة ، وأنفاس تدخل فلا تخرج.
فقلت : هل تستحق هذه الحياة القصيرة وإن طالت ، والمريرة وإن حلت ،
والحزينة وإن سعدت ، هل تستحق كل هذا التناحر والتخاصم والتقاتل!
كثيرا ما تلوت قول الله تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى )
ولم أستوعب حقيقتها إﻻ حينما رأيت صديقي ، التراب!
فيا كل صديق وحبيب : غيبه الموت ، وصار ترابا ، أو تحته : رحمك الله وأسكنك فسيح جناته!
ويا كل صديق وحبيب : في طريقك للتراب ، ﻻ تغرنك الحياة الدنيا وﻻ يغرنك بالله الغرور!