جرعة ماء
جرعة ماء
كانت ليلة من ليالي يناير في مدينة روما العتيقة ، شعرت بقشعريرة في كل أطرافي ، الظمأ كاد يقتلني وساقاي تأبى أن تحملاني ،
جف حلقي وأنا أصرخ بأعلى صوت :أريد جرعة ماء.
لكن لا حياة لمن تنادي ، الصمت رهيب هنا كأن الناس قد هجروا هذا المكان موحش.
بينما أنا كذلك لمحت نورا أبيض يقترب ببطء نحوي ، إزداد خفقات قلبي واشتعلت نيران الفضول في نفسي ،
عشرة خطوات بيننا ، سبعة ، أربعة ، إثنان، أصدق عيناي ، هالني ما رأيت ، أيعقل أنه وجه أمي!
نعم إنها هي وقد صارت أجمل ، صرت أشهق وأشهق شهيقا كسر جدار الصمت وأسمع أهل الأرض كلها ،
لم أكن لأتوقف حتى وضعت يدها على صدري وقالت بصوت خافت :
لا تبك بني أنا معك.
شعرت بسكينة ملكت روحي وقلت في حيرة :
لقد أخبروني أنك مت ،
لقد كذبوا علي وتركوا في قلبي غصة وجرحا عميقا ، كيف يفعلون هذا بي أمي!
مسحت الحنون بيدها على جبيني وقالت :
أخبرني عن حالك بني ، ماذا صنعت في غربتك؟
تنهدت تنهيدة طويلة وقلت :
آه يا أمي لقد فاتتك أحداث كثيرة ، إبنك تزوج وأنجب بنتين ، أسميت إحداهما زهرة باسمك ، حتى أنها أخذت كل ملامحك.
قالت بنبرة يكسوها فضول :
والأخرى ؟
أجبت في تردد :
إسمها ايميلي على إسم جدتها من أمها .
قالت:
وأين زوجتك وحفيدتاي ؟
قلت:
أمي لقد حدثت أشياء كثيرة في غيابك ، لقد إنفصلت عن زوجتي ، قاطعتني وقالت : وابنتيك تعيشان معها؟
قلت:
إقرأ أيضا: أعيذك أن لا تحيي ذكره
يا أمي لقد كبرتا وهما يعيشان وحدهما ، هكذا هي الأعراف والقوانين في هذا البلد.
قالت بنبرة يكسوها حزن عميق :
أليس هناك أحد يعطي إبني جرعة ماء ؟
نزلت عبرة على خدي حينها وقلت في تأثر :
ليس معي الأن غيرك أمي ،
الناس هنا قاسية قلوبهم ولا أحد يسمع أنين الآخر ، ثم أردفت :
سأكون ظلك ولن أفارقك بعد الأن ، سأعوضك على كل حزن سببه غيابي أعرف أنك إنتظرتني طويلا.
إبتسمت الغالية إبتسامة حزن وقالت :
آه يا إبني الغالي ، لقد إنتظرتك بعدد الأمواج التي قطعتها ،
إبيضت عيناي حزنا على فراقك بني ، لقد رحلت مكتوية بنار ملتهبة تمزق أحشائي.
أردت أن أضمها بقوة لكني لم أستطع أن أبرح مكاني ، كان شيئا ثقيلا وضع على جسدي ،
لوهلة بدأ ذلك النور ينقشع ويبتعد عني ، شعرت بخوف شديد وصرت أصرخ بأعلى صوتي : أريد جرعة ماء أمي.