جلست الأم ذات مساء تساعد أبناءها في مراجعة دروسهم ، وأعطت طفلها الصغير كراسة للرسم حتى لا يشغلها عن ما تقوم به من شرح ومذاكرة لإخوته الباقين.
وتذكرت فجأة أنها لم تحضر طعام العشاء لوالد زوجها الشيخ المسّن الذي يعيش معهم في حجرة خارج المبنى في حوش البيت ،
وكانت تقوم بخدمته ما أمكنها ذلك ، والزوج راضي بما تؤديه من خدمة لوالده ، والذي كان لا يترك غرفته لضعف صحته.
أسرعت بالطعام إليه ، وسألته إن كان بحاجة لأي خدمات أخرى ثم إنصرفت عنه.
عندما عادت إلى ما كانت عليه مع أبنائها ،
لاحظت أن الطفل يقوم برسم دوائر ومربعات ، ويضع فيها رموز ، فسألته : ماالذي ترسمه يا ولدي ؟
أجابها بكل براءة : إني أرسم بيتي الذي سأعيش فيه عنما أكبر وأتزوج.
أسعدها رده ، فقالت : وأين ستنام؟
فأخذ الطفل يريها كل مربع ويقول : هذه غرفة النوم ، وهذا المطبخ ،
وهذه غرفة الإستقبال ، وأخذ يعدد كل ما يعرفه من غرف البيت.
وترك مربعاً منعزلاً خارج الإطار الذي رسمه ويضم جميع الغرف.
فعجبت ، وقالت له : ولماذا هذه الغرفة خارج البيت ، منعزلة عن باقي الغرف؟
أجاب : إنها لك ، سأضعك فيها تعيشين كما يعيش جدي الكبير.
صعقت الأم لما قاله ولدها!
هل سأكون وحيدة خارج البيت في الحوش ، دون أن أتمتع بالحديث مع إبني وأطفاله ،
وأأنس بكلامهم ومرحهم ولعبهم عندما أعجز عن الحركة ؟
إقرأ أيضا: يا بنتي أحبي حجابك في كل مرة ترتدينه فيها
ومن سأكلم حينها ؟
وهل سأقضي ما بقي من عمري وحيدة بين أربع جدران ، دون أن أسمع لباقي أفراد أسرتي صوتا؟
أسرعت ونقلت أثاث الغرفة المخصصة لإستقبال الضيوف والتي عادة ما تكون أجمل الغرف وأكثرها صدارة في الموقع ،
وأحضرت سرير عمها ( والد زوجها )ونقلت الأثاث المخصص للضيوف إلى غرفته خارجاً في الحوش.
ولما عاد الزوج من الخارج ، فوجئ بما رأى ، وعجب له.
فسألها : ما الداعي لهذا التغيير ؟
أجابته والدموع تترقرق في عينيها :
إني أختار أجمل الغرف التي سنعيش بها أنا وأنت إذا أعطانا الله عمراً ،
وعجزنا عن الحركة ، وليبق الضيوف في غرفة الحوش.
ففهم الزوج ما قصدته ، وأثنى عليها لما فعلته لوالده الذي كان ينظر إليهم ويبتسم بعين راضية.
كل هذا والطفل ينظر لما يحدث فما كان منه إلا أن ، مسح الغرفة المعزولة من رسمه.