حتى سنة 1981 كان الماليزيون يعيشون في الغابات
حتى سنة 1981 كان الماليزيون يعيشون في الغابات ، ويعملون في زراعة المطاط ، والموز ، والأناناس ، وصيد الأسماك ،
وكان متوسط دخل الفرد أقل من ألف دولار سنويا ، والصراعات الدينية هي الحاكم ، حتى أكرمهم الله برجل إسمه مهاتير محمد.
مهاتير هو الإبن الأصغر لتسعة أشقاء ، والدهم مدرس إبتدائي راتبه لم يكن يكفي لتحقيق حلم إبنه “مهاتير” ،
لشراء عجلة يذهب بها إلى المدرسة الثانوية.
فما كان منه إلا أن عمل “بائع موز” بالشارع حتى حقق حلمه ، ودخل كلية الطب في سنغافورة المجاورة.
أصبح رئيساً لإتحاد الطلاب المسلمين بالجامعة قبل تخرجه سنة 1953 ليعمل طبيبا في الحكومة الإنجليزية المحتلة لبلاده ،
حتى استقلت ماليزيا في سنة 1957 ، ففتح عيادته الخاصة كجراح وخصص نصف وقته للكشف المجاني على الفقراء ،
مما أهله للفوز بعضوية مجلس الشعب سنة 1964 الذي عمل فيه مدة خمس سنوات ،
ثم تفرغ لتأليف كتاب عن “مستقبل ماليزيا الإقتصادي” في سنة 1970.
تم انتخابه “سيناتور” في سنة 1974 ، وتم تعيينه وزيرا للتعليم في سنة 1975 ،
ثم مساعدا لرئيس الوزراء في سنة 1978 ، ثم رئيساً للوزراء في سنة 1981 لتبدأ في نفس العام النهضة الشاملة لماليزيا.
ماذا فعل الطبيب الماليزي لماليزيا؟
أولا : رسم خريطة لمستقبل ماليزيا حدد فيها الأولويات والأهداف والنتائج التي يجب الوصول إليها خلال 10 سنوات ،
وبعد 20 سنة ، حتى سنة 2020!
ثانياً : قرر أن يكون التعليم والبحث العلمي هما الأولوية الأولى على رأس الأجندة ،
وبالتالي خصص أكبر قسم في ميزانية الدولة ليضخ في التدريب والتأهيل للحرفيين ، والتربية والتعليم ،
إقرأ أيضا: معا لنلتزم
ومحو الأمية ، وتعليم الإنجليزية وفي البحوث العلمية ، كما أرسل عشرات الآلاف كبعثات للدراسة في أفضل الجامعات الأجنبية.
ثالثاً : أعلن للشعب بكل شفافية خطته وإستراتيجيته ، وأطلعهم على النظام المحاسبي الذي يحكمه مبدأ الثواب والعقاب للوصول إلى النهضة الشاملة.
فصدقه الناس ومشوا خلفه مبتدئين بقطاع الزراعة ،
فغرسوا مليون شتلة نخيل زيت في أول سنتين لتصبح ماليزيا أولى دول العالم في إنتاج وتصدير زيت النخيل!
وفي قطاع السياحة ، قرر أن يكون الدخل في عشر سنوات هو 20 مليار دولار بدلا من 900 مليون دولار سنة 1981 ،
لتصل الآن إلى 33 مليار دولار سنويا ، وكي يستطيع الوصول إلى هذا الدخل ،
حول المعسكرات اليابانية التي كانت موجودة من أيام الحرب العالمية الثانية إلى مناطق سياحية تشمل جميع أنواع الأنشطة الترفيهية ،
والمدن الرياضية والمراكز الثقافية والفنية.
لتصبح ماليزيا مركزاً عالميا للسباقات الدولية في السيارات ، والخيول ، والألعاب المائية ، والعلاج الطبيعي.
وفي قطاع الصناعة ، حققوا في سنة 1996 طفرة تجاوزت 46% عن العام الذي سبقه بفضل المنظومة الشاملة ،
والقفزة الهائلة في الأجهزة الكهربائية ، والحاسبات الإلكترونية.
وفي النشاط المالي ، فتح الباب على مصراعيه بضوابط شفافة أمام الإستثمارات المحلية والأجنبية لبناء أعلى برجين توأم في العالم ،
بترو ناس ، يضمن 65 مركزا تجاريا في العاصمة كوالالمبور وحدها ،
وأنشأ البورصة التي وصل حجم تعاملها اليومي إلى ملياري دولار يوميا.
أنشأ مهاتير محمد أكبر جامعة إسلامية على وجه الأرض والتي أخذت بالتطور لتنضم إلى قائمة أهم خمسمائة جامعة في العالم ،
إقرأ أيضا: أحد مشاهير العرب أعجبته بنت عمه فخطبها
يقف أمامها شباب الخليج بالطوابير ، كما أنشأ عاصمة إدارية جديدة إسمها putrajaya بجانب العاصمة التجارية كوالالمبور ،
وبنى فيها مطارين بالإضافة إلى الطرق السريعة وعشرات الفنادق ذات الخمس نجوم ،
وغيرها تسهيلاً للسائحين والمستثمرين الوافدين من الصين والهند والخليج ومن كل بقاع الأرض.
باختصار ، استطاع مهاتير محمد من 1981 إلى سنة 2003 أن ينقل بلده من بلد متخلف مهمل إلى دولة حضارية ،
تتربع على قمة الدول الناهضة التي يشار إليها بالبنان والبنيان.
وترافق هذا الإزدهار مع تضاعف دخل الفرد الماليزي من 1.000 دولار عام 1981 إلى 16.000 دولار سنوياً عام 2003 ،
أما الإحتياطي النقدي فقد ارتفع من 3 مليارات إلى 98 مليارا ، ووصل حجم الصادرات إلى 200 مليار دولار.
لم يظلم أبناء شعبه ولم يزج بهم في السجون بل كان يقول :
أنت ماليزي ويجب أن تفخر بنفسك ورغم كل الإنجازات التي تحققت على يديه لماليزيا ،
فهو لم يطلب يوما من أبناء شعبه أن يقدموا أي ولاء لشخصه ، بل كان يحثهم على العمل والإنتاج.
مهاتير محمد الذي ما فتئ ينتقد أنظمة الغرب لم ترهبه إسرائيل ولم يعترف بها كدولة.
مهاتير محمد لم ينتظر معونات أمريكية أو مساعدات أوروبية ، ولكنه اعتمد على الله ،
ثم على إرادته ، وعزيمته ، وصدقه ، وراهن على سواعد شعبه وعقول أبنائه ليضع بلده على الخريطة العالمية ،
فيحترمه الناس ، ويرفعوا له القبعة!
في سنة 2003 وبعد 21 عاما قضاها في خدمة بلده قرر بإرادته المنفردة أن يترك الحكم ،
رغم كل مناشدات شعبه التي كانت تحثه للبقاء ، تاركاً لمن يخلفه خريطة طريق وخطة عمل اسمها “عشرين ، عشرين”
وهي ترمز إلى شكل ماليزيا سنة 2020 والتي يفترض أن تصبح رابع قوة إقتصادية في آسيا بعد الصين ، واليابان ، والهند.
مهاتير محمد ، الذي بكاه الشعب الماليزي عندما غادر السلطة ،
يعيش الآن في ماليزيا مثله مثل أي مواطن آخر من الطبقة الوسطى ، منزل ريفي بسيط وسيارة ومرتب تقاعد.
سيبقى الشعب الماليزي ينظر باحترام لهذا الطبيب الفقير وستبقى ذكراه حية في
في قلوبهم للأبةحد.