حرم الله إيذاء المؤمن بغير حق
حرم الله إيذاء المؤمن بغير حق ، وتَوعَّدَ المُجترئَ على ذلك بالعِقابِ الأليم في الدنيا والآخرة ،
ويزداد التحريم شدة ، ويزداد الوعيد بالعقاب خطورة ؛ إذا كان الواقعُ عليه إيذاءُ أحدَ الصَّالحينَ.
وفي هذا الحديثِ القُدسيِّ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال : «مَن عادى لي وَلِيًّا» ،
أي : ألحق الأذى بوَليٍّ مِنَ أولياءِ اللهِ ، والوَلِيُّ : هو المُؤمِنُ التَّقيُّ ، العالِمُ باللهِ تعالَى ،
المواظِبُ على طاعتِه ، المُخلِصُ في عِبادتِه.
وهو أيضًا مَن يَتولَّى اللهُ سُبحانَه وتعالَى أمْرَه ولا يَكِلُه إلى نفْسِه لَحْظةً ، بلْ يَتولَّى الحقُّ رِعايتَه ،
أو هو الذي يَتولَّى عِبادةَ اللهِ وطاعتَه ، فعِباداتُه تَجْري على التَّوالي مِن غيْرِ أنْ يَتخلَّلَها عِصيانٌ.
فمن عادى وَلِيَّ اللهِ ، فقدْ أعلَنَ اللهُ سُبحانَه الحربَ عليه ، وهذا فيه الغايةُ القُصوى مِنَ التَّهديدِ ؛
إذ مَن حارَبَه اللهُ وعامَلَه مُعاملةَ المحارِبِ ، فهو هالكٌ لا مَحالةَ ، ومَن يُطيقُ حرْبَ اللهِ؟!
ثم قال الحَقُّ سبحانه : «وما تَقرَّبَ إليَّ عَبْدي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افترَضْتُه عليه» ،
أي : أوجَبْتُه عليه ؛ فالصَّلَواتُ الخَمسُ أحَبُّ إلى اللهِ مِن قيامِ اللَّيلِ ، وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ النَّوافِلِ ،
وصِيامُ رَمَضانَ أحَبُّ إلى الله من صيامِ الإثنينِ والخميسِ ، والأيَّامِ السِّتَّةِ مِن شَوَّالٍ ، وما أشبَهَها ؛
فالفَرائِضُ أحَبُّ إلى اللهِ وأوكَدُ.
«وما يَزالُ عَبْدي يَتقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافلِ» مع الفرائضِ ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ ،
وغيرِهما من أعمالِ البِرِّ والطَّاعةِ التي ليست من الفريضةِ ؛ فالنَّوافِلُ تُقَرِّبُ إلى اللهِ ، وهي تُكَمِّلُ الفرائِضَ ،
فإذا أكثَرَ الإنسانُ مِنَ النَّوافِلِ مع قيامِه بالفرائِضِ ، نال محبَّةَ اللهِ ، فيُحِبُّه الله ،
وإذا أحَبَّه كان الله سُبحانَه سَمْعَه الَّذي يَسمَعُ به ، وبَصَرُه الذي يبصر به ، ويده التي يَبطِشُ بها ،
ورِجْلَه التي يَمْشِي بها ، يعني أنَّه يكونُ مُسَدِّدًا له في هذه الأعضاءِ الأربعة ؛ يُسَدِّدُه في سمعه ،
فلا يَسمَعُ إلَّا ما يُرضِي الله ، ويُسَدِّدُه في بصره ، فلا يَنظُرُ إلَّا إلى ما يحِبُّ اللهُ النَّظَرَ إليه ،
ولا ينظُرُ إلى المحَرَّمِ ، ويُسَدِّدُه في يَدِه ، فلا يعمَلُ بيَدِه إلَّا ما يُرضي اللهَ ؛ لأنَّ اللهَ يُسَدِّدُه ، وكذلك رِجْلُه ،
إقرأ أيضا: معنى حديث لا يدخل الجنة قاطع ولا يدخل الجنة نمام
فلا يمشي إلَّا إلى ما يُرضي الله ؛ لأنَّ اللهَ يُسَدِّدُه ، فلا يسعى إلَّا إلى ما فيه الخيرُ.
وإن سأل اللهَ شيئًا فإنَّ اللهَ يعطيه ما سأل ، فيكونُ مُجابَ الدعوة ، ولئنِ استعاذ باللهِ ولجأ إليه طلَبًا للحمايةِ ،
فإنَّ اللهَ سُبحانَه يُعيذُه ويحميه ممَّا يَخافُ.
«وما تردَّدتُ عن شَيءٍ أنا فاعلُه تَردُّدي عن نفْسِ المُؤمِنِ» وليْسَ هذا التَّردُّدُ مِن أجْلِ الشَّكِّ في المصلحةِ ،
ولا مِن أجْلِ الشَّكِّ في القُدرةِ على فِعلِ الشيء ، بل هو مِن أجْلِ رَحمةِ هذا العبدِ المُؤمِنِ ، ولهذا قال اللهُ تعليلًا لهذا التردد :
«يَكْرَهُ المَوْتَ» لِمَا فيه من الألمِ العظيمِ ، «وأنا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» ؛ لِمَا يَلْقَى المُؤمِنُ مِن الموتِ وصُعوبتِه.
فالعَبدُ الذي صار محبوبًا للحَقِّ مُحِبًّا له ، يتقرَّبُ إليه أولًا بالفرائِضِ ، وهو يحِبُّها ،
ثمَّ اجتهد في النَّوافِلِ التي يحِبُّها ويحِبُّ فاعِلَها ، فأتى بكُلِّ ما يقدِرُ عليه من محبوبِ الحَقِّ ،
فأحبَّه الحَقُّ لفِعْلِ محبوبِه من الجانِبَينِ بقَصْدِ اتفاقِ الإرادةِ ؛ بحيث يحِبُّ ما يحِبُّه ، ويكرَهُ ما يكرَهُه محبوبُه ،
والرَّبُ يكرَهُ أن يَسُوءَ عَبْدَه ومحبوبَه ، فلَزِمَ مِن هذا أن يَكرَهَ الموتَ ؛ ليزدادَ مِن محابِّ محبوبِه ،
واللهُ سُبحانَه وتعالى قد قضى بالموتِ ، فكُلُّ ما قضى به فهو يريدُه ، ولا بُدَّ منه ؛
فالرَّبُّ مُريدٌ لِمَوتِه لِما سبق به قضاؤُه ، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءةِ عَبدِه ، وهي المَساءةُ التي تحصُلُ له بالموتِ ؛
فصار الموتُ مُرادًا للحَقِّ مِن وَجهٍ ، مَكروهًا له من وجهٍ ، وهذا حقيقةُ الترَدُّدِ.
وفي الحَديثِ : النَّهيُ عن إيذاءِ أولياءِ اللهِ.
فيه : التَّرغيبُ في حُبِّ أولياءِ الرَّحمنِ ، والإعترافِ بفَضْلِهم.
وفيه : أنَّ أحَبَّ الأعمالِ فِعلُ الفرائضِ ، وأفضلُ القُرُبات بَعْدَها فِعلُ النَّوافلِ.
وفيه : دلالةٌ على شَرَفِ الأولياءِ ورِفعةِ مَنزِلَتِهم.
الراوي : أبو هريرة
المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري.