Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

حفظ ماء الوجه!

‏حفظ ماء الوجه!

دخل رجل غريب على مجلس أحد الحكماء الأثرياء فجلس يستمع إلى الحكيم وهو يُعلّم تلاميذه وجُلساءه ولا يبدو على الرجل الغريب ملامح طالب العلم ،

ولكنه بدا للوهلة الأولى كأنه عزيز قوم أذلّتهُ الحياة دخل وسلم ، وجلس حيث انتهى به المجلس ،

وأخذ يستمع للشيخ بأدب وإنصات ، وفي يده قارورةُ فيها ما يشبه الماء لا تفارقه.

قطع الشيخ العالم الحكيم حديثه ، والتفت إلى الرجل الغريب ، وتفرّس في وجهه ، ثم سأله : ألك حاجة نقضيها لك؟! أم لك سؤال فنجيبك؟

فقال الضيف الغريب : لا هذا ولا ذاك ، وإنما أنا تاجر ، سمعتُ عن علمك وخُلُقك ومروءتك ،

فجئتُ أبيعك هذه القارورةَ التي أقسمتُ ألّا أبيعَها إلا لمن يقدّر قيمتها ، وأنت دون ريبٍ حقيقٌ بها وجدير.

قال الشيخ : ناولنيها ، فناوله إياها ، فأخذ الشيخ يتأملها ويحرك رأسه إعجاباً بها ، ثم التفت إلى الضيف : فقال له : بكم تبيعها؟

قال : بمئة دينار ، فرد عليه الشيخ : هذا قليل عليها ، سأعطيك مائة وخمسين!

فقال الضيف : بل مائة كاملة لا تزيد ولا تنقص.

فَقال الشيخ لابنه : ادخل عند أمك وأحضر منها مائة دينار.

وفعلاً استلم الضيف المبلغ ، ومضى في حال سبيله حامداً شاكرا ، ثم انفضَّ المجلسُ وخرج الحاضرون ،

وجميعهم متعجبون من هذا الماء الذي اشتراه شيخُهم بمائة دينار!

دخل الشيخ إلى مخدعه للنوم ، ولكنّ الفضول دعا ولده إلى فحص القارورة ومعرفةِ ما فيها ،

حتى تأكد بما لا يترك للشك مجالاً أنه ماءٌ عاديّ!

فدخل إلى والده مسرعاً مندهشاً صارخا : يا حكيم الحكماء ، لقد خدعك الغريب ، فوالله ما زاد على أن باعك ماءً عادياً بمائة دينار ،

ولا أدري أأعجبُ من دهائه وخبثه ، أم من طيبتك وتسرعك؟!

إقرأ أيضا: الملك ذو الحكمة والتواضع

فابتسم الشيخ الحكيم ضاحكا ، وقال لولده : يا بني ، لقد نظرتَ ببصرك فرأيتَه ماءً عاديّا ،

أما أنا ، فقد نظرتُ ببصيرتي وخبرتي فرأيتُ الرجل جاء يحمل في القارورة ماءَ وجهه الذي أبَتْ عليه عزَّةُ نفسه أن يُريقَه أمام الحاضرين بالتذلُّل والسؤال ،

وكانت له حاجةٌ إلى مبلغٍ يقضي به حاجته لا يريد أكثر منه.

والحمد لله الذي وفقني لإجابته وفَهْم مراده وحِفْظِ ماء وجهه أمام الحاضرين.

ولو أقسمتُ ألفَ مرّةٍ أنّ ما دفعتُه له فيه لقليل ، لما حَنَثْتُ في يميني.

إن استطعتَ أن تفهم حاجةَ أخيك قبل أن يتكلم بها فافعل فذلك هو الأجملُ والأمثل.

تفقَّدْ على الدوام أهلك وجيرانك وأحبابك ، فربما هم في ضيقٍ وحاجةٍ وعَوَز ،

ولكن الحياء والعفاف وحفظَهم لماء وجوههم قد منعهم من مذلة السؤال! فاقرأ حاجتهم قبل أن يتكلموا.

وما أجمل قولَ من قال : إذا لم تستطع أن تقرأ صمْتَ أخيك ، فلن تستطيع أن تسمع كلماتِه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?