حكاية الأميرة ذهبية الشعر الجزء الأول
حكاية الأميرة ذهبية الشعر الجزء الأول
يحكى عن سلطان يعيش في بلاد بعيدة وكان هذا الرجل حكيما وعلى عكس كلّ البشر له القدرة أن يفهم الطير في السماء وماذا يقول ،
وكذلك الوحوش والأسماك في البحر ، وذلك وراءه قصة عجيبة.
يقال أن إمرأة غريبة أتته ذات يوم لا يدري أحد هل هي ساحرة أم جنية ،
وقالت له إني عجوز فقيرة أكسب عيشي من ضرب الرمل والنظر في النجوم ، لكن الناس تتّهمني بالشعوذة ،
وأنا بريئة من هذه التهمة والنتيجة صاروا يضربوني في الشارع ويبصقون عليّ ، فجئت أحتمي بمولاي لعله يرفق بامرأة ضعيفة.
فغضب وأرسل المنادي في الأسواق ينادي من أن من يتعرض للعجوز نعيمة سيعاقب ، وأمر لها بنفقة.
أحد الأيام رجعت للقصر وطلبت من الحاجب أن يأذن لها بمقابلة سيّده فلما أدخلها سألها عن حاجتها ،
فأجابته أنها ستقدم له هدية مكافئة له على معروفه معها ، فقال إنما فعلت ذلك لوجه الله ،
لكنها أصرت ، وقالت له إما ستقدمه له سيجعله أكبر السلاطين ، وأكثرهم حكمة.
فتعجب من كلامها ، وطلب منها أن تريه ما أحضرت له ، فأخرجت له سلة من سعف النخيل فيها سمكة كبيرة ،
وقالت له أوصيك بطبخها بنفسك ، فلا يجب أن يأكل منها غيرك ، وإلا قاسموك المعرفة التي ستمنحها لك السّمكة!
كان السّلطان يستمع دون أن يصدّق حرفا واحدا من كلامها ، وأراد مجاملتها ، فوعدها بذلك ،
لكن قبل أن تخرج خطر له أن يمدّ لها كفّه لتقرأ طالعه ، فلما نظرت إلى خطوطه ، قالت له : ستعشق الأميرة ذات الشّعر الذّهبي.
فضحك وقال : لي العشرات من الجواري الحسان ، ولن أهتم بأميرتك ولا بغيرها!
وقبل أن تنصرف قالت له : ما هو مكتوب على الجبين لا بدّ أن تراه العين يا مولاي ! ولا تنس وصيّتي وإلا ستندم.
إقرأ أيضا: الأرملة التي صانت شرفها
ولمّا ذهبت العجوز نظر السّلطان إلى السّمكة ، وتساءل : ماذا لو كانت العجوز تقول الحقيقة ؟
ثم نادى أحد الخدم واسمه جوهر ، وطلب منه أن يقشّرها ويشويها له ، وحذّره من الأكل منها ، وإلا قطع رأسه.
فاستغرب الخادم ، وقال في نفسه : لماذا لا يعطيها للطباخ ؟ ألا يكفيني ما عندي من عمل!
ثم لماذا يهدّدني ، وكل يوم تأتي إلى القصر أفضل الأسماك ، والقواقع ، وجراد البحر ، لكنّه في الأخير نفّذ رغبة السّلطان.
وحين بدأ في تنظيفها رأى أنّها لا تشبه أيّا من الأسماك التي يعرفها ، فلونها أخضر ، وعيناها كبيرتين ،
لكن لمّا وضعها في المقلاة ، فاحت رائحتها ، ولم يقدر أن يمنع نفسه من تذوّقها ،
فأخذ قطعة صغيرة ، وأكلها ، وبينما هو كذلك إذ أحس بطنين في أذنيه ، ثم سمع صوتا خافتا يقول :
ما أطيب تلك الرائحة لا بدّ أن أغافل الخادم وأذوق من تلك السّمكة!
نظر الولد إلى ركن المطبخ ، ورأى قطة ، فضحك وقال : لقد بدأت أتوهّم أشياء لا وجود لها!
لكنّه لمّا إقترب من الشّباك سمع عصفورين يتكلمان وقال أحدهما : ليس لنا ما نأكله هنا تعال نبحث في مكان آخر.
إندهش الخادم ممّا حصل أمامه ، ثمّ نظر إلى السّمكة وهتف : إذن لهذا السّبب كلّفني السّلطان بشوائها ،
وليس الطّباخ لأنّ من عادته تذوّق الطّعام ، والآن لا يجب أن يلاحظ أنّي أكلت منها ،
فوضع عليها شيئا من الدّقيق ، وحمّرها بالزّيت ، ثمّ أضاف إليها البهارات والليمون ، فصارت شهيّة الطعم.
بعد ذلك حملها لسيّده مع صحن من زيت الزّيتون وخبز الشّعير ، فأكل السّلطان ، والخادم بين يديه يسقيه من جرّة النّبيذ ،
ولمّا شبع قال لجوهر : أسرج لنا حصانين ، وسنخرج للغابة القريبة ، فإنّني أشتهي أن أتفسّح ، وأشرب كوبا من الشاي السّاخن.
وبعد ساعة ظهرت الأشجار الخضراء ، فالتفت حصان الخادم إلى الآخر وقال له لقد مللت من البقاء في الإسطبل ،
وأنا أحسّ بالنّشاط في هذه الطبيعة الجميلة ، وكم تمنّيت أن أركض ، وأقفز بين الصّخور.
أجاب حصان السّلطان : هذا الرّجل الذي يركبني ، تعوّد على الرّاحة والنّوم ولو قفزت لوقع على الأرض ، وتحطّمت عظامه!
إقرأ أيضا: قصة نرجس الجزء الأول
أجاب الحصان الآخر : أليس هذا أفضل ، وبإمكاننا أن نمرح بدلا أن نمشي مثل السّلحفاة!
لمّا سمع الخادم ذلك ضحك ، وكان السّلطان يسمع أيضا ، فرمقه بطرف عينه ، وصاح غاضبا :ما الذي يضحكك أيّها اللئيم؟
قال الخادم : لقد تذكرت شيئا أضحكني فمنذ أيّام رأيت إمرأة تضع خمارا ، ولمّا لاحظت أني أنظر إليها رفعته عن وجهها ، فإذا بها عجوز شمطاء!
فقال السّلطان في نفسه : إنه يحاول خداعي ، ترى هل فهم ما يقول الحصان ؟
ثمّ أمسك جيّدا بالزّمام ، وأكمل جولته في الغابة بسرعة ، دون أن ينزل ويستريح ،
فقد كانت فكرة أنّ خادمه جوهر أكل من السّمكة تأرّقه ، وتذكّر نبوءة السّاحرة فتكدّرت حاله.
ولمّا رجع إلى القصر طلب منه إحضار جرّة من اللبن ، قال له : أريدك أن تملأ قدحي دون أن تنزل منه قطرة واحدة!
ولما مد له الخادم القدح ، دخل عصفوران إلى المجلس ، وكانّ أحدهما يحمل ثلاثة شعرات ذهبيّة ، فحاول الآخر إفتكاكها منه ،
فسقطت واحدة على الأرض ، وأحدثت صوتا قويا كأنّه قطعة من حديد.
ففزع الخادم وسقط القدح من يده ، وسال اللبن على الأرض.
وقف السلطان وصاح : هذه المرّة لا يمكنك أن تنكر! لقد أكلت من السّمكة أليس ذلك؟
فجثا الخادم على ركبتيه ، وبدأ يستعطفه ، وقال له : سامحني يا مولاي ، لكن السّلطان رفع سيفه ،
وفجأة شمّ رائحة عطرة ، ولمّا نظر إلى الأرض شاهد شعرة ذهبيّة طويلة ليس في الدّنيا أجمل منها.
فنظر إلى جوهر ، وقال له : إن وجدت صاحبتها عفوت عنك!
والآن خذ ما تحتاج إليه من زاد ومال ، ولا تأت إلا ومعك خبرها.
وما كاد يخرج حتى نادى السلطان أحد حرسه ، وقال له إن رجع ذلك الخادم مرة أخرى للقصر فاقتله ،
وعلّق رأسه على باب القصر.
إقرأ أيضا: لما لم تخبريني أنك كنت تتألمين منذ الأمس؟!
أما جوهر ، فركب حصانه ، وملأ جرابا بالطعام ، ثم سار دون أن يعرف أين تقوده قدماه.
مضت أيام ، والحصان يسير وحده في البوادي ، وأيقن جوهر بالهلاك فليس له أهل يذهب إليهم ، أو أحد يعرفه ،
وأخذ يلوم نفسه على طمعه ، وأقسم أنه لو نجا فلن يلمس حاجة غيره.
أحد الليالي رأى حفرة فيها جمر تركه الصّيادون ، لكن الرّيح ألقت أحدها على شجرة ، فاشتعلت فيها النار ،
ثمّ سمع صياحا تحتها ، وخطوات تجري في كلّ مكان ، ولمّا إقترب منها ليعرف سبب هذه الضّجة ،
رأى مستعمرة للنّمل تكاد تصلها النّار ، والجميع يحاول إخراج اليرقات الصّغيرة منها.
فنزل عن حصانه ، وأبعد الأغصان المشتعلة ، ورمى عليها التّراب.
بدأ النّمل يهلّل ، ويرقص ، ثمّ إقتربت الملكة منه ، وقالت : لن تندم على معروفك معنا ، ثمّ واصل طريقه ،
وهو يتعجّب من نفسه كيف صار يفهم لغة النّمل.
ثمّ واصل طريقه حتى عثر على فرخي نسر قد سقطا من عشهما ، ولم رأياه قالا له : أرجعنا للعشّ ، والا أكلتنا الثعالب ،
فأطعمهما ثمّ تسلق الشّجرة ، وأرجعهما هناك ، وما كاد ينزل حتى أتى الأبوان وشكراه على معروفه.
بعد ذلك وصل إلى بحر ، فشاهد صيادين يتخاصمان على سلحفاة بحرية كلّ واحد يقول أنا الذي إصطدتها ،
ولمّا رأت الخادم قالت له : أنقذني ولن تندم ، فعرض عليهم إطلاقها ، ثمّ أدخل يده في الصّرة التي أعطاها له السّلطان ،
ومنحهم عشرين درهما ثمنا لها ، فسألوه : أنت غريب ، فما تفعله في هذه البلاد؟
أجابهم : أبحث عن الأميرة ذهبية الشّعر!
فنظرا إلى بعضيهما ، وقالا له تعال معنا في المركب ، وسندلّك على مكانها.
فركب معهم هو وحصانه ، ولما ابتعدوا قليلا ، ضربوه على رأسه وأخذوا منه المال والحصان ، ثم رموه في البحر ، وبدأ جوهر يغرق.
يتبع ..