حكاية الأميرة ذهبية الشعر الجزء الثالث
حكاية الأميرة ذهبية الشعر الجزء الثالث
قال السّلطان لجوهر : كان لديّ بستان لا يوجد في الدّنيا أجمل منه ، وتعوّدت الأميرة أن تجلس فيه ،
لكن تلك الحشرات اللئيمة في الغابة ، دخلت هناك ، وباضت فيه ، وكثر عددها ، ولم يعد أحد قادرا أن يقطف منه حتى تفّاحة.
و مهمّتك أن تبعدها ، وتعيد إليّ البستان ، وأمهلك ثلاثة أيام لا غير!
خرج الخادم ، وقد إسودّت الدّنيا في وجهه ، وقال في نفسه : واحدة فقط من هذه المخلوقات تقتل بعيرا ،
فكيف سأتمكّن من طردها وهي تعدّ بالمئات ، وفيها العقارب ، والعناكب ، والخنافس الضّخمة؟
ثمّ أخذ يمشي ويفكّر ، وفجأة سمع صوتا حادّا في السّماء ، ولمّا نظر ، رأى نسرا كبيرا يقترب منه ثم قال له :
لقد تذكرّتك ، فذات ليلة أنقذت فراخي!
أجابه : وكيف حالهما الآن؟
قال النّسر : بخير ، لكن لماذا أراك مهموما؟
قصّ عليه جوهر حكاية الأميرة ، وعن شرط السّلطان الثّاني ، فردّ النّسر :
إذهب إلى القصر ، واسترح في فراشك ، وموعدنا صباح اليوم الرابع في البستان ، وليكن السّلطان برفقتك!
ثمّ نادى النّسر قومه ، ومعهم العقبان والبوم ، وقال لهم : لقد أدّى لي ذلك الخادم معروفا ، وسأردّ له ما فعله مع صغاري.
قالت الطيور : وكيف ذلك؟ أجاب : تقضون على كلّ المخلوقات البغيضة التي عشّشت في بستان السّلطان.
قالوا :حسنا ، لن يسلم منها أحد ، وأمضوا النّهار في قتلها ، لكن الحشرات إختبأت منهم في شقوق الأشجار ،
ولمّا جنّ الليل أطلّت برؤوسها ، فكان البوم بانتظارها ، ومزّقها إربا.
وفي نهاية اليوم الثّالث ، لم يتبقّ منها شيء ، حتى أعشاشها حطّمتها الطيور ، وأكلت ما فيها من يرقات.
في الصّباح جاء السّلطان مع الحاشية ، وأرسل أحد العبيد يستكشف له البستان ، فرجع ، وقال :
لقد ماتت المخلوقات ، وبإمكان مولاي دخول بستانه!
إقرأ أيضا: قصة الغجرية العذراء الجزء الأول
تجوّل السّلطان بين الأشجار ، وقال لجوهر : لا أصدّق ما أرى! كيف فعلت ذلك؟
إسمع الليلة أنت مدعوّ إلى مائدتي ، وأريدك أن تحكي لي عن نفسك ، فلديك من الحكمة ما لم أره عند أيّ إنسان!
رجع السّلطان إلى القصر ، لكن جوهر بقي في البستان ، وقد أعجبته كثرة الأزهار والثّمار ،
وبينما هو يدور ، سمع صوتا يستغيث ، ورأى فراشة ملوّنة ، وقربها عنكبوتة ضخمة تفتح فكّيها لتأكلها ،
فقال: لقد نجوت من الطّيور ، لكنّي سأجهز عليك ، ثمّ إلتقط عودا طويلا ، وطعنها في أحد عيونها الثمانية ،
ولمّا تململت من الألم قطع بخنجره الشّبكة ، وأنقذ الفراشة.
فقالت له : إعلم إنّي أعرف قصّتك ، وقد سمعتك وأنت تكلم السّلطان ، الليلة سيطلب منك المهمّة الثّالثة ، وستحتاج لمساعدتي ، ثم طارت.
تعجّب الخادم من الفراشة ، وتساءل : وماذا ستقدر أن تفعل بمفردها ؟
في المساء جلس الخادم مع السّلطان حول مائدة كبيرة ، وقد لبس ثيابا من الحرير ، وكلّ من رآه إعتقد أنّه من الأشراف ،
وكان هناك الوزراء والأمراء وزوجاتهم ، وجاءت القيان بآلات الطرب ، وبدأن يغنّين ، وفجأة فتح العبيد الباب ،
ودخلت سبعة بنات ذهبيّات الشّعر ، وجلسن بجانب السّلطان ، وبدأ الجميع في الأكل والمرح.
وكان جوهر يسترق إليهنّ النّظر ، وقد أعجبه جمالهنّ البديع ، بعد قليل دارت الفواكه والقهوة ، ثم وقف السّلطان ،
وقال للحضور : لقد جاء هذا الفتى من بلاد بعيدة لخطبة الأميرة حوريّة لسيّده ،
وهو بيننا اليوم لأنّه نجح في مهمّتين صعبتين ، وبقيت الثّالثة ، والأميرة كما تعلمون لها ستّة أخوات يشبهنها في وجهها ،
والآن من هي الأميرة حوريّة يا جوهر؟
نظر الخادم بدهشة ، فكلّ البنات لهنّ شعر ذهبي جميل ، وعيون خضراء ، فاحتار في أمره ،
وقال : ويحي كيف سأعرفها؟
إقرأ أيضا: اكتشفت أن ابنتي ذات السبعة عشر ربيعا على علاقة مع أحدهم
أجاب السّلطان : إن لم تعرف من هي خلال خمسة دقائق ، سأعطيك هدايا كثيرة وتنصرف من حيث أتيت!
بدأت الأميرات في الابتسام ، وفي هذه اللحظة دخلت الفراشة ، وحطّت على رأس إحداهنّ ، فصاح جوهر : إنّها صاحبة الفراشة!
فصفّق الحضور ، وقالوا له : أحسنت!
ضحكت حورية بسعادة ، وأعجبها جوهر ، فقد كان ظريفا ، وسيم الوجه ، ولما ذهبت إلى غرفتها لم يفارق خيالها ،
لكنها لم تكن قادرة أن تعصي أباها ، وفي الغد تجهزت للرّحيل مع جوهر في موكب عظيم.
في الطريق كانت حورية تجلس مع جوهر ، وحكى لها عن قصّته وكيف نشأ يتيما ، وتربّى في القصر وعينه القيّم لخدمة السّلطان ،
ثمّ عن السمكة التي أكل منها ، وبفضلها أصبح يفهم لغة الحيوانات ، وعن الشّعرة الذّهبية الذّهبية التي سرقها الغراب ،
وبسببها طاف في البلدان للبحث عن صاحبتها.
كانت حورية تسمع وتتعجّب من هذه الحكاية ، ثمّ قالت له : لماذا لا تأتي للعيش عندنا ، ونتزوج ؟
أجابها :حياتي في القصر مع سيّدي ، لقد تعودت على ذلك منذ صغري ، ولن أقدر على العيش في أي مكان آخر ،
إني أعرف كل شبر في القصر ، وكل حجرة فيه تحمل ذكريات جميلة ، هل تفهمين هذا الشعور الذي يجذبك إلى مكان ما ،
ويلح على نفسك ويجعلك تشعر بالسعادة كلما أتيت إليه.
أجابت الأميرة : إني أفهمك وأنا أيضا أحس بالحنين لمدينتي التي ولدت فيها ، لكن أعتقد أن السلطان لن يبقيك حيا بعدما عرفت سرّه ،
وإني أخشى عليك منه ، أجابها إن كان الأمر كذلك فهو قدري الذي لا مفرّ منه.
وأحد الأيّام حكى لها عن السحلية التي ماتت ورجعت للحياة ، وأراها النبتة السّحرية التي ترجع الروح ،
ولما إقترب الموكب من المملكة قالت الأميرة إعلم يا جوهر أني لن أحبّ سواك ، وحتى إذا تزوّجت السلطان فقلبي سيظل دائما معك.
إقرأ أيضا: جبر خواطر
أجاب جوهر. لكني مجرّد خادم يا سيدتي.
نظرت له بعينيها الجميلتين ، وقالت له : الرّجال بأفعالهم وليس بمناصبهم ، تذكّر هذا جيدا!
لمّا وصلوا إلى القصر ، إستقبل السلطان الأميرة ، وأعجب بها ، لكنها لم رأته أشفقت على نفسها ،
فلقد كان كبير البطن ، يبدو عليه الجشع واللؤم.
ولمّا ذهبت إلى غرفتها أغلقت على نفسها ، وامتنعت عن الطعام والشّراب ،
أما السلطان فطلب من جوهر أن يأتيه ببرتقالة من حديقة القصر ،
فأومأ لأحد الحرس الذي مشى وراءه ، وما كاد الخادم يقترب من الأشجار المليئة بالثّمار حتى طعنه الحارس في ظهره ،
وسقط ميتا ، فسمعت حورية الصرخة ، ولما أطلت رأت حبيبها ممدّدا على الأرض ، والسّلطان واقف قربه ،
وهو يسب فيه ويلعن ، ثم أمر بأن يحمل بعيدا ، ويدفن.
إنتظرت الأميرة قليلا ، ثمّ نزلت إلى الحديقة ، وعصرت كلّ أوراق النّبتة السّحرية في فمه ،
وبعد لحظات فتح عينيه ، وتعجّبت حورية لمّا رأت أنّهما أصبحتا خضراوين ، أمّا بدنه فصار قويّا كالأسود ،
وحين نظر الخادم إلى نفسه ، قال لها : ويحك ماذا فعلت؟
أجابته :لا أدري ، لقد أعطيتك النّبتة بأكملها ، الحقيقة كنت أخاف أن لا تكفيك واحدة فقط!
قال لها : لكنّي لم أعد أعرف نفسي!
ضحكت ، وأجابته : هكذا أفضل ، والآن تعال لنهرب ، قبل أن يأتي رجال سيدك لكنهم ما كادوا يقتربون من الباب ،
حتى وجدوا السّلطان واقفا مع حرسه ، وقد بانت عليه الدّهشة من شدّة وسامة جوهر ،
فقال لحورية لا شكّ أنّك ساحرة ، وأنا أريد تلك الأعشاب التي في يديك!
أجابته : لقد عصرتها ، ولم يبق فيها شيء.
إقرأ أيضا: فحيح الأفاعي
قال أنت تكذبين ، وطلب من أحد الحرس أن يطعنه بسيفه ثم يسقيه من تلك الأعشاب وقال في نفسه :
لمّا أتحوّل لفتى وسيم سيقتل الخادم ، ومعه السّاحرة.
لكن الأعشاب لم يعد فيها قطرة واحدة ، وبقي السّلطان على الأرض ، فجزع الحرّاس ، وهمّوا بقتل جوهر ،
وفجأة جاءت جارية تجري ، وصاحت : توقّفوا عن ذلك!
ذلك الخادم هو الأخ الأصغر للسّلطان ، ولقد رزق به أبوه منّي ، وأخفى أمره على النّاس ،
وتوجد على ذراعه شامة تشبه التي على ذراع السّلطان ، وبما أنّ سيّدكم لم يترك وريثا ، لذلك جوهر هو سلطانكم!
فاصطفّ الحرس أمامه وصاحوا بصوت واحد : يحيا السّلطان!