قصص منوعة

حكاية الدلال يخلف الهبال الجزء الأخير

حكاية الدلال يخلف الهبال الجزء الأخير

نظر الرجل العجوز إلى حسن ، وقال له : هذا الزواج له شرط! فلا تكتف إمرأتك أو تضربها إلا بعد أن تشاورني ، هل فهمت؟

في الغد ذهبا معا إلى أب الفتاة وخطبها الولد منه فوافق رغم فقره ، وبعد شهر تزوج ، وكانت البنت صعبة المراس ،

ولا تخاف منه ، فأخذ الحبل ، وبحث عن صديق أبيه ، ولما رآه حكى له عما جرى ، وقال له: هل أكتّفها؟

أجابه: لم يحن الأوان بعد ، وفي أحد الأيام تعاركا ، وعايرته البنت أنه يسكن عندهم ،

فغضب وذهب للشيخ مرة أخرى وطلب منه أن يأدّبها ، فقال له : ليس الآن ، إنتظر قليلا.

وكلّ مرّة يذهب إليه يقول له نفس الشيء ، وأصبح حسن يضع كلّ همّه في العمل ورويدا رويدا بدأت تلك الأرض تزهر ،

ونمت فيها الأشجار ، وزاد الشّيخ في أجرته ، وأعطاه الكوخ ، وقال له أصلحه وأثثه ولما تكمل ذلك سيكون لك دار ولن يعايرك أحد.

وبعد مدة أصبح ذلك الكوخ دارا جميلة فنقل إليها إمرأته التي حملت ، وولدت الأوّل ، ثم الثاني ، حتى وصلت إلى الرّابع ،

ورغم ذلك فلم تتوقّف المشاكل بين الزّوجين ، فذهب للشّيخ وقال له : أنا الآن في بيتي لكن تلك اللعينة لا تتوقّف عن معايرتي بالفقر ، لا بدّ من تكتيفها!

فأجابه صديق أبيه : لم يحن الوقت لكن سأمنحك ربع الأرض مكافأة لك على صبرك ، وزاد ربح حسن ، واشترى بقرة ،

ثمّ واحدة أخرى ، إلى أن صار قطيعا ، ثم عرض عليه الشّيخ شراء بقيّة الأرض بثمن جيّد ،

وأصبح الولد من أعيان القرية.

أحد الأيام عمل مع إمرأته خصومة كبيرة ، وعلا صياحها ، فجرى للشّيخ ، ومعه حبل طويل ، وغصن زيتون ،

وقال له : لا أرض لإمرأة أن تهينني ، فلست خادما عند أبيها! هل تأذن لي بأن أكتّفها؟

إقرأ أيضا: ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟!

حكّ الشّيخ ذقنه ، ثمّ قال : هذه المرّة يحقّ لك أن تأخذ بثأرك منها ، وعليها واجب الطّاعة لزوجها.

فلمّا رجع وجدها تطبخ طعامها ، وأطفالها يحيطون بها ، وهم يتصايحون ، وهي تحمل الرّضيعة الصّغيرة بيد ،

وباليد الأخرى تحرّك اللحم في الطنجرة ، فلما رأى ذلك خفّ غضبه ، وقال :

هي تعمل كلّ ذلك ولا تشتكي ، أليس من واجبي أن أسامحها حتى ولو علا صوتها؟

ثم أليس بفضلها أصبحت أحسن حالا ، بعدما كنت أبيت في كوخ ، وآكل كسرة يابسة.

1 3 4 10 1 3 4 10

بعد ذلك إقترب منها وقبّل جبينها ، وأمسك بالأطفال ، وقال لهم :

إلزموا الهدوء ، وكفوا عن إقلاق أمكم! أحس أنّه في نعمة لم يكن يحلم بها ، لقد رباه أبوه على أنّه أحسن الناس ،

وعلمه الغرور والتكبر ، ونتيجة لهذه التربية خسر تجارته ، وفشل زواجه مرات عديدة.

وفي الصباح ذهب إلى الشيخ ، وحكى له ما حصل البارحة ، وأنه أخطأ في حق زوجته.

فأجابه : تلك المرأة هي التي كتفتك الآن بالأطفال الأربعة ، وعليك أن تحترمها ،

فإذا صلحت المرأة صلح الزوج ، ولقد تزوجتك رغم فقرك ، وصبرت على حماقاتك ، للأسف لقد أفسدك أبوك بدلاله ،

وكان لا بد لك من درس قاس حتى يرجع لك صوابك ، والحمد لله أن وفقني لتعليمك كيف تعيش مع الناس الذين كنت تعتبر نفسك أحسن منهم!

والآن خذ هديّة إلى إمرأتك ، ولاطفها فسترى أنّها تحبّك ، لكنّك أحمق ، ولا تحسّ بها.

فنزل إلى السّوق واشترى لها عقدا من الذّهب ، والحلوى لصغاره ، ولمّا رجع ، وضع العقد في عنقها ،

فشعرت بالسّعادة ، وقالت له : بعد أربعة سنوات زواج لم تفكّر فيّ سوى الآن ، أليس هذا كثير يا رجل؟

أجابها : أعترف أنني كنت أنانيّا ، لكن كلّ هذا إنتهى.

إسمعي! لقد أخفيت عنك أنّي إبن شهبندر التجار ، وأنا أخجل من نفسي ، أجابته :

كل المدينة تعرف قصتك ، لكن بإمكانك أن ترجع للسّوق ، وتسترجع ما خسرته من مال وقيمة!

إقرأ أيضا: وريقة الحناء الجزء الأول

ردّ عليها :بعد كل هذه السنوات؟ قالت : لقد تعلّمت أشياء كثيرة ، وهذا ما سيمكّنك من النّجاح إن شاء الله.

وضع حسن عمّالا على الأرض والقطيع ، ثم فتح دكّانا ، رجع إلى بيع المكسّرات ،

وكان كلّما مرّ به فقير يعطيه قرطاسا من اللوز أو الجوز ، فيدعو له بالخير ، وكثرت الدّعوات الصّالحة ،

وكان هناك ملاكين فقال أحدهما للآخر أليس الرّجل الذي يدعون له هو الذي عاقبناه لبخله؟

قال الآخر : نعم ، ولقد تاب الله عليه ، أجاب الأوّل : سنفتح رزقه بإذن الله.

وفي الغد لاحظ التّاجر أن الزّبائن يدورون على الباعة ، ولا يعجبهم شيء فيأتون لدكانه ويشترون من عنده ،

ولم تمض بضعة أشهر حتى أصبحت له خمسة دكاكين وفي الأخير إشترى قصر أبيه ، و صار شهبندر التجار ،

ثم أتى بإمرأته وصغاره إلى القصر ، ورغم كثرة الطعام فإنه لا يأكل إلا كسرة جافّة وزيت ، ويقول :

بهذا صرت رجلا ، وليس بالعسل!

رحمك الله يا أبي ، لم يكذب من قال الدلال يخلف الهبال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?