Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الأول

حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الأول

يحكى عن فتى يتيم إسمه محمود يعيش مع جديه العجوزين في دار صغيرة ، وكان يخرج كل صباح ، ويرعى عنزاته في الغابة ،

وكلّما يرجع في المساء تصنع منها جدّته الجبن والزبدة ، ورغم فقره يحمد الله على القليل الذي يرزقه به.

ويجلس في أحد الأركان ثم ينام وكلبه بجانبه ، ولطيبة قلبه أحبّه أهل قريته.

مرت الأيام ، وتزوج أصدقاء محمود ، إلا هو فما يكسبه بالكاد يكفيه لسد الرمق ، وكان ذلك يحزن جدّته ، ويكدّر عيشها.

أحد الليالي أعدت العشاء وجلسوا جميعا للأكل ثم قالت له لماذا لا تذهب إلى المدينة وتبحث عن مستقبلك؟

هزّ الجدّ رأسه موافقا ، لكن محمود أجاب : ومن سيعتني بكما من بعدي ويرعى القطيع؟

قالت الجدّة : إذهب في حال سبيلك ، ولا تهتم بنا ، فالعمر يجري وأنا أريد رؤية أطفالك قبل أن أموت ،

ولو كان والديك على قيد الحياة لقالا لك نفس الشيء !

فشقّ ذلك الكلام على محمود وبكى ، فطول عمره يفكّر في غيره ، وينسى نفسه ، لكن ماذا يفعل فقلبه الطيب كان يدفعه دائما لفعل الخير ،

وكان يقول هناك من هم أسوأ مني حالا ، لكنه إهتدى لحل فسيجمع لجدّيه ما يكفيهما لبعض الوقت ، ويذهب للمدينة ،

على أن يأتي لزيارتهما كل أسبوع.

وفي الغد خرج باكرا للرعي وأخذ معه فأسا ، وبدأ يقطع الأغصان الجافة ، وكل يوم يكومّه قرب الدار حتى صار كدسا كبيرا ،

ثم باعه لأهل القرية ، وأخذ بثمنه كيسا من الدقيق ، وجرة زيت زيتون ، وكثيرا من الفول والحمص.

بعد أن إطمئن إلى أنّ الدّهليز صار عامرا ، ملأ جرابا بالخبز والجبن ، ورحل صوب المدينة ،

وكان الطريق طويلا تتخلله براري واسعة ، وجبال.

إقرأ أيضا: الباسل قصة قصيرة الجزء الأول

وبعد ساعات من المسير صادف عجوزا تحاول عبور واد صغير وهي تحمل سلة كبيرة ،

لكن الماء كان قويا وكاد يجرفها ، فتقدم إليها محمود ، وسلم عليها وعرض عليها المساعدة.

فتمتمت شاكرة ، ومدّت له السّلة ، فقام محمود بحملها علې رأسه ، وأمسك العجوز من يدها واجتاز بها الواد ،

وأرادت أن تحمل سلتها فأبى الفتى إلا أن يكمل صنيعه ويوصلها حيثما تريد ،

ولم تجد العجوز بدا من القبول.

وفي النهاية وصلا إلى كوخ عتيق ، فقالت له : لا بدّ أن أجازيك على صنيعك ، فأنت فتى يبدو عليك الفقر لكن لك غنى النفس ،

فتعجب محمود من كلامها وقال في نفسه : عن أي مكافئة تتحدّث وهي تعيش في هذا الكوخ المتداعي؟

وكأنّما فهمت العجوز ما يجول في خاطره ، فردّت عليه ، المال يفنى لكن ما أقدّمه لك سيغيّر حياتك ،

ولكن عليك بالصّبر ، وأن تسمع كلامي وتنفذه حرفيا وستنال خيرا عظيما لم تكن لتحلم به ، إسمع!

ربّما لن تصدّق عجوزا مسنة مثلي ، وفي هذه الحالة يحقّ لك الإنصراف وفي جيبك مائة دينار ذهبي ،

ثم أخرجت من جيبها صرة هزّتها أمامه ، وكان ذلك مبلغا كبيرا لم يربح مثله طول حياته يكفي لشراء بقرتين ،

لكنّه فكّر قليلا ثم قال : سأفعل ما تطلبينه.

أجابت العجوز : لا تتهاون بالموضوع ، الأمر خطير ، ولا يتعلّق بك وحدك ، بل بهذه المملكة.

تعجّب محمود ، ثم حكّ ذقنه وقال : ما أنا إلا راعي فقير فما شأني بكل ذلك؟

ضحكت العجوز حتى بانت أسنانها الصفراء ، وردّت عليه : لقد كنت أنتظرك طوال هذه السّنوات يا محمود ،

فقد أخبرتني النّجوم عند قدومك اليوم ، وأردت أن أجرّب مروءتك بنفسي!

زادت دهشة الفتى ، وسألها : كيف تعرفين إسمي؟

أجابته : إن بلاءا عظيما سيحصل لهذه الأرض ، وأنت الوحيد من سيمنع ذلك ،

والنّبوءة تقول بأنّ شابّا طيّب القلب نقيّ السّريرة سيأتي من مكان بعيد ،

وكنت أنا الكاهنة الأخيرة التي نجت من مطاردة ساحر شرّّير لا يعرف الرّحمة ،

إقرأ أيضا: قالت الفتاة يا محمد أريدك أن تكون مسيحي!

وهذه فقط هي البداية وإن إنتصر فلن يبق هناك شيء جميل في هذه المملكة ،

فستموت الأشجار ، وينقطع العلم والفن.

قال محمود : إذا كان ما ذكرته صحيحا ، فلماذا لا تذهبين إلى السّلطان فهو أقدر الناس على حماية مملكته؟

أجابت العجوز : آه ، أنت لا تعلم شيئا عن ما يحدث ، فلقد مات السّلطان منذ شهرين ،

ولم يترك إلا بنتا صغيرة إسمها رباب عمرها ستّة عشرة سنة ، واتّفق كبار رجال الدّولة على جعل عمّها وصيّا عليها ،

لكن ذلك الرّجل أعجبته نفسه ، وصار يتحكّم في كلّ شيء ، وظلم الناس ونهب أموالهم ، حتى ضاق الأمراء به ذرعا ،

واتفقوا على خلعه ، لكنّ العم كان خبيثا ، ومستعدّا لأي شيء للحفاظ على منصبه.

فلجأ إلى مشعوذ لمساعدته ، فنصحه بالذّهاب إلى ساحر يقال أنّه تعلم السّحر عن الشّياطين ، لكنه لا يقدر على مغادرة الغابة بسبب تمائم وضعها وليّ صالح إسمه منصور.

ولمّا طلب العمّ من أحد رجاله الذّهاب إلى تلك الغابة الموحشة لإخراجه ، إرتعب ،

وقال له : يا سيدي أعزك الله ، ذلك السّاحر ملعون ، وستندم لو فعلت ذلك ، فسحره قويّ ، ولا يقدر أحد عليه ،

لكن الرّجل أصّر على رأيه بعدما سمع بأنّ العامّة تتجمّع للزحف على القصر ،

وتنصيب الوزير محمّد مكانه ، وهو شيخ فاضل يخاف الله.

أحد الليالي المقمرة صعد ناصر عمّ الأميرة إلى الجبل ، ودخل الغابة ، فوجد تمائم معلقة على مدخل مغارة مظلمة فأحرقها ،

وبعد قليل خرج شيخ له لحية بيضاء ، وهو يمسك عصا في طرفها جمجمة ، ثم تفرّس فيه ، وقال له :

أنا في خدمتك ، أخبرني ما الذي أتى بك إلى هنا ؟

فحكى له عن قصته فأجابه إرجع لقصرك وسأرسل جنود الجنّ لحراستك ،

وسيقتلون كل من يقترب منك لكن مقابل ذلك فالأميرة رباب ستكون من نصيبي ، وأحملها لمغارتي ،

فلقد عانيت كثيرا من الوحدة.

إقرأ أيضا: حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الثاني

فوافق ناصر ، فهو لم يعد بحاجة إليها ، ومن الأفضل أن تختفي حتى يصبح سلطان هذه البلاد.

كان محمود يستمع للكاهنة بدهشة إلى درجة أنّه نسي ما جاء من أجله وجديه اللذان تركهما في القرية ،

ثمّ صاح : يا لها من حكاية ، وماذا حصل بعد ذلك؟

تنهّدت العجوز ، وقالت : لم يستمع ناصر للنّصيحة ، وشرع السّاحر في الإنتقام من الأولياء والمشائخ ، وحرق الزّوايا ،

ونبش القبور ، وبدأت أعداد الغربان تزيد في المدينة ، أما ناصر فلم يكن يعنيه شيء ، المهم أنه في قصره تحيط به الجواري ،

وبالعكس فإن ما يفعله السّاحر من شرّ قد راق له ، والعامّة التي ثارت عليه تأخذ الآن جزاءها.

قال محمود : حسنا ، وكيف سأحارب هذا السّاحر ، وأنقذ الأميرة رباب؟

قالت العجوز : إسمع ، هناك ثلاثة أشياء سحريّة يملكها ملوك الجان ، لو تحصّلت عليها ستساعدك للوقوف في وجهه ،

لكن لن تنتصر إلا بالخير ، لهذا لا تستهن بأضعف المخلوقات ، ولمّا تحين المعركة يجب أن تجمعها معك لا ينقص منها شيء.

هل فهمت يا محمود؟

فقال : أرجو من الله أن يوفّقني لما فيه الخير لهؤلاء الناس.

قالت له الكاهنة : إذهب في إتّجاه الشرق ، وبعد ثلاثة أيام ستجد نفسك في أرض قاحلة فيها سنديانة وارفة الظّلال ،

عليك أن تقترب منها ، وتسمع حديث ملوك الجان ، وهم لا يجتمعون إلا مرّة في السّنة للتّفاخر فيما بينهم ،

وأعلمك بأن تلك الأرض كانت في الماضي مقبرة يدفن فيها موتى الطاعون ، ومن قطعت رؤوسم ،

فلا تخف ممّا ستراه ، وسبّح ، واستغفر الله ، وإياك أن تنطق بكلمة واحد مهما حدث ،

فلم يحدث أن دخل أحد وخرج حيّا.

ولمّا تجمع تلك الأشياء الثلاثة عليك بالذهاب إلى المدينة ، وما حولها من القرى لتوقف إنتشار السّحر فيها ،

وتنقذ الأرض والناس ، وبعد ذلك تخرج الأميرة من المغارة وتتزوّجها ، وحذار من الخفافيش السامة ،

لكن السّاحر لن يستسلم وسيجمع حوله قوى الشرّ ، ولو إنتصرت ،

فإنّ أهل المملكة ينصّبونك سلطانا عليهم ، لقد قلت لك ما عندي ، والآن توكّل على الله ،

وستكون دعواتي الصّالحة معك ، فستكون في حاجة إليها.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?