حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الرابع

حكاية الراعي وبنت السلطان الجزء الرابع

اشتدّ الهتاف في المدينة للأميرة رباب بعدما صارت الأمل الوحيد في التّصدي للسّاحر ، وبدأ الناس يتجهّزون للخروج إليه قبل أن يقضي على القرى ويحرق الحقول ،

قال القائد نور الدين : الرّأي أن نكمن لهم في أحد الأودية!

لكن محمود ردّ : لن ينفع ذلك ، فالخفافيش ستعلمه بمكاننا ، الحلّ أن نحفر حفرا كبيرة ونغطيها بالأغصان ،

ونكثر من من السّهام والمشاعل.

لمّا وصلوا إلى سهل واسع ، بدأوا بالحفر ، وبعد ساعات كان كلّ شيء جاهزا ،

وقال : كلّ من ينجح في العبور سنرميه بما في أيدينا من أسلحة.

بعد قليل سمع النّاس دقّات الطّبول من بعيد ، وكانت قويّة تصمّ الآذان فانتشر الفزع ، وفجأة ظهر سرب من الخفافيش ،

وهاجم الجنود والعامّة ، ونهش لحمهم ، ولم يقدر أحد على دفعهم ، قال الحصان لمحمود :ز

هذه فقط طليعة السّاحر ، وفتكت بنا ، فما بالك لو وصل كل جيشهم!

يجب أن نفهم لماذا تصلح السّنبلة؟

ليس من الصّدفة إن طلبت منك الكاهنة إحضارها ، حاول أن تتذكّر ، هل حكت لك عن شيء؟

وضع محمود يده على جبينه ، ثم قال : لقد تحدّثت عن عدم الإستهانة بالضّعيف ، صاح الحصان : طبعا!

هيا نذهب لملكات النمل والهوام ، ونطلب منهم الإنضمام إلينا ، فالبعوضة تدمي مقلة الأسد.

فخرج محمود ، ومشى في البرية ، وبعد أن دار في كل مكان ووقف أمام مستعمرة كبيرة للنمل ،

ورآهم يبحثون عمّا يأكلونه ، فلقد أفسد الساحر الأراضي التي كانوا يجمعون منها طعامهم ،

ثم كلمهم الحصان المسحور الذي يعرف ألسنة الدواب والهوام ، وأخبرهم أنّه يريد رؤية ملكتهم ،

فتعجّبوا كيف يحسن لغتهم مع عظم خلقته.

لم يمض وقت طويل حتى خرجت الملكة ، وقد إشتد فضولها ، فأخبرها عن حاله ، وعن حوريات الغابة اللواتي علمنه سحرهن ،

وبأن الخطر يتهدد مملكة الإنس ، وما عليها.

إقرأ أيضا: لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الأول

كانت ملكة النّمل حكيمة ، فأطرقت برأسها ، ثم قالت : لقد قلّ طعامنا ، وكلّ قومنا يمشون طويلا لإحضار ما يسد رمقنا.

فقال لها : وماذا إن أعطيناك ما يكفيك وزيادة؟

أجابته : سأجمع النّمل وآتي معك للحرب !

فأخذ محمود السّنبلة من جيبه ، وفركها فسقطت الحبوب على الأرض ، ثم فتح القربة ، وصبّ عليها الماء ،

فبدأت بالنموّ من حينها ، وتصايح النمل من الفرحة.

ثم ذهب الحصان إلى ملكة الخنافس ، فأخبرته أنّ النّمل ينافسها في الأعشاب والزّهور التي تأكلها ،

وإن أبعدتهم عن طعامنا جئنا معك ، فأعلمهم أنّ النّمل صار له القمح ، فوعدته بالقدوم معه.

ثمّ ذهب إلى ملكة النّحل ، فقالت له أنّ الخنافس تأكل الزّهور البرّية ، ونريد أن تبقى حصة لنا ،

فقال لهم النّمل له القمح ، والخنافيس لها الأعشاب ، وأنتهم الزّهور.

ثم قال محمود للحصان : لقد نفّذنا ما أوصتنا به الكاهنة العجوز ، والآن هيّا بنا ننظر إلى ما يحصل ،

فأنا أخشى أن يصيب رباب مكروه ، فهي عنيدة ، ولا تخاف من شيء!

ما أن وصل محمود ، سمع الصراخ ، ورأى النّاس تفرّ في كلّ إتجاه والأغوال ترميها بالصّخور ،

وتلك المخلوقات كانت أذكى ممّا تصوّر ، ولم تقع في الحفر.

أمّا الأميرة فكانت تقاتل بشجاعة مع نور الدين وحفنة من الجنود ،

فصاح محمود : أهربي يا رباب ، وإلا قتلوك !

لكنها ردت : هذه أرضي ولن أستسلم ، قال لها : إذن سآتي إليك ونموت معا ،

لكن في هذه اللحظة سمع دبيبا عظيما يأتي وراءه ولمّا إلتفت لمح ملكة النمل تتقدم شعبها وهو بعدد الحصى والتراب ،

ومن كل مكان كانت تخرج الهوام ، وفيها الخنافس والعناكب وكلها جاءت للحرب ،

فأمسكت الأغوال العصيّ ، وبدأت تضرب فيها لكنها أكلت العصي ، وطلعت في أجسامها ،

تفاجأ السّاحر بكل هذه الهوام ، وأمسك عصاه السّحرية ، وبدأ يحرق فيها ،

وقال بغضب : سأذهب إلى دياركم ، وأسحق بيضكم!

إقرأ أيضا: الأميرة وأوراق الشجر

لكنه لم يفرح كثيرا ، فقد سمع طنينا قويا في السماء ، ولمّا رفع عينيه رأى النحل يطير ،

ويمزّق من وجده من خفافيش ، وغربان ، فقال : ويحي ، من أين جائوا؟ إن لم أدفعهم هلكنا.

قال محمود للحصان : إسمع! السّاحر مشغول ، وقد ساء حاله ، فخذني إليه ،

جرى الحصان بقوّة وسط الهوام ، ولمّا صار قريبا منه ، ظهرت الكاهنة على ظهر بجعة ، وقالت للفتى :

إسمع ، قوته في تلك العصا ذات الجمجمة ، فإن كسرتها إنتهى أمره!

فأخذ حجرا ، ورماه وحرّكت البجعة جناحيها ، فهبت الرّيح عليه ، فطار كالسّهم ، وشقّ الجمجمة إلى نصفين ،

ولم يعد يوجد ما يردّ الهوام التي قتلت من وجدته أمامها.

وصار السّاحر محصورا لا حول له ولا قوّة ، فابتسم بسخرية ، وقال :

حتى ولو قتلتموني ، فلن تعود بلدكم كما كانت ، وستموتون جوعا.

قالت الكاهنة لقد زرعنا السنبلة ذات الألف حبة ، وستمتلأ أرضنا بالقمح.

أجاب السّاحر هذا مستحيل ، لا أحد يمكنه النزول إلى البئر الذي لا قاع له.

ردت الكاهنة : أنظر بنفسك!

فلما إلتفت إلى حيث أشارت إليه ، فرأى السّنابل الصغيرة تنمو بكثرة ، وتتّسع مساحتها ،

وقالت له : هذه المرّة لقد خسرت ، فسنرجع أقوى مّما كنّا في الماضي ، أمّا أنا سآخذ بنات يتيمات ، وأعلّمهن ،

وأعيد بناء المعبد في الغابة ، لقد تعلمنا كيف نتّحد ، وكيف نجعل من الضّعف قوة ، والآن ستدفع ثمن جرائمك أيها الئيم!

فضحك ، وقال أنا لا أخاف من الموت ، قالت ملكة النمل : أتركوه لنا ، وما هي إلا لحظة حتى دخل النمل في آذانه وعينيه ، وافترسه ،

ولم يترك منه إلا العظم والجلد.

بعد النّصر ، رجعت رباب ومن بقي من قومها إلى المدينة ، وقد كان هناك الكثير ليتم إصلاحه ، وإعماره ،

أما محمود فركب الحصان ، ورجع إلى قريته ، فرى جدّيه في صحّة جيّدة ، وفرح لذلك كثيرا ،

ولما سأله جدّه أين كان طوال هذا الوقت ، وإن أتى بشيؤ في يده ، فقال له لقد أتيتك بتاج المملكة ،

ولكي لا تندهش فأنا السّلطان ، والأميرة رباب زوجتي لقد تحققت النّبوءة التي عمرها خمسمائة عام.

Exit mobile version