حكاية العجوز عائشة
تقول احدى المشرفات في دار العجزة توفيت قبل شهر تقريبا نزيلة من نزلاء الدار اسمها الحاجة عائشة عن عمر ناهز الثانية والثمانين عاما.
ولقد أتت إلى الدار منذ عشرين عاما ، وأتذكر ذلك اليوم جيدا.
لقد أتى بها ابنها الدكتور أمجد ، وكان وجهها شاحبا وهي واجمة لا تتحدث ،
وحاولت التحدث معها والتخفيف عنها فأخذت في البكاء الشديد ، وقالت لي :
كنت أعمل معلمة وتعرفت على زميل لي يعمل بالتدريس أيضا وصارحني بإعجابه لي ورغبته في الزواج مني ،
ووافقت على الزواج منه ، لأن أخلاقه طيبة وصفاته جيدة.
وتم الزواج ، ومرت السنين سريعا ، وأنجبت ثلاثة أبناء بنتين وولد ، رقية وسهيلة وأمجد.
وقبل أن يمر على زواجي عشر سنوات توفي زوجي إثر حادث سير ليترك لي مسؤولية تربية ثلاثة أبناء مسؤولية كاملة.
وأكملت رسالتي مع أبنائي ورفضت الزواج مرة أخرى رفضا قاطعا بالرغم من كل الضغوطات من عائلتي ،
حيث كان عمري وقتها لا يتعدي الخامسة والثلاثين ، وكرست كل حياتي لأبنائي.
وواصلت التدريس والدروس الخصوصية ليلا ونهارا لأكمل تعليمهم في مدارس خاصة وعلى أعلى مستوى ،
وليظهروا بمظهر جيد أمام الجميع.
وكان يومي مشغولا جدا ما بين عملي ومذاكرة أولادي والإعتناء بمختلف أمورهم.
ومرت الأيام سريعا ، ليكبر أطفالي ويتخرجوا من أفضل الكليات.
وسافرت رقيه لاستكمال دراستها في إنجلترا وتعرفت هناك على زميل لها وتزوجت واستقرت في الغربة.
وتزوجت سهيلة باستاذها في الجامعة الذي حصل على عقد عمل في دولة عربية وسافرت معه واستقرا هناك.
أما إبني الدكتور أمجد فقد أراد الزواج من طبيبة زميلة له وطلب مني أن يتزوج في منزلي ووافقت على الفور ،
وتم تجديد المنزل من كل شيء لأرى السعادة في عيني ابني ، وصارت زوجته تعاملني وكأني خادمة لها.
إقرأ أيضا: وما طردناك من بخل ولا قلل لكن خشينا عليكَ وقفةَ الخجل
ومرت الأيام ورزق الله عز وجل إبني بأطفال
ولقد ضاق المنزل بنا ،
وكانت الظروف لا تسمح بتوفير منزل أوسع
لأن زوجته كانت مسرفة جدا.
واقترحت على ابني بأن يذهب بي إلى ملجأ العجزة ، وأنا لا أعلم شيئا عن ذلك.
حيث قال لي إبني : أمي حضري حقيبتك فأنا أريد أن أذهب معكي في نزهة خارج المدينة لعدة أيام.
فرحت فرحا شديدا فأنا منذ زمن لم أحظى بنزهة فقد كان يأخذ زوجته وأولاده إلى المصايف ويتركني في البيت وحيدة أتحدث مع حيطان منزلي.
وبالفعل وضعت كل ما هو جميل من ملابسي وأشيائي في حقيبتي.
وفي الصباح ، قال أمجد : هيا أسرعي يا أمي
فقلت له : أنذهب أنا وأنت فقط؟ يا بني أحضر معنا زوجتك وأولادك.
فقال لي: لا فالنزهة اليوم لكي أنت وحدك.
وبالفعل استقلينا السيارة ، وبعد نصف ساعة توقف أمجد فقلت له : هل وصلنا بهذه السرعة؟!
فقال لي بحدة : انزلي يا أمي.
فنزلت من السيارة لأرى أمامي لافتة مكتوب عليها : (بيت المسنين) ، فتسمرت في مكاني ،
وزادت ضربات قلبي.
فجرني غصبا رغما عني ، وها أنا هنا الأن أمامك يا سيدتي ، وبذلك أنهت الحاجة عائشة قصتها المحزنة.
وخلال عشرين عاما لم يأتي أحد من أبنائها لزيارتها.
وقبل وفاتها بفترة قليلة اتصلنا بأبنائها وشرحنا لهم عن حالتها الصحية المتدهورة ورغبتها في رؤيتهم وأحفادها ،
ولكن للأسف لم يأتي أحد منهم لزيارتها.
وبعد وفاتها حضروا الثلاثة ، بنتاها وابنها
وكانوا متعجلين لإنجاز إجراءات الميراث.