حكاية راما وسيتا الجزء الأول
حكاية راما وسيتا الجزء الأول
يحكى أنه في بلاد الهند العجيبة حيث كل شيء مختلف لا ألوان كألوانها ولا نهر يشبه أنهارها ولا غابات كغاباتها.
كانت هناك مملكة تسمى كوسلا وكان لها ملك طيب اسمه يوداشترا ، له ثلاث زوجات ولم يرزق بأولاد.
رضي الملك بقدره حتى جاء يوم قدم فيه القربان إلى المذبح المقدس فظهر له من خلال النار روح أعطته كأسا من الحليب ،
فيها من روح الاله فيشنو لتشرب منها الزوجات الثلاث فيحملن ،
وأعطته الآلهة ولدا من كل زوجة : راما الأكبر من الزوجة الأولى كوسايلا ،
ثم بهارت من الثانية كياكي والتي طلبت منه أن يعدها بثلاث أمنيات لا ترد ،
ثم لاكشمن من الثالثة سوميترا.
وأخبره الكهنة أن راما سيكون طفلا مباركا ويتجسد فيه الاله فيشنو وينشر العدل في المملكة.
كان راما كما ظن فيه الجميع طفلا طيبا وشابا قويا ، فاستحق ثقة أبيه الذي أوكل له أن يقوم برحلات إلى الممالك المجاورة ،
ويصحب معه أحد إخوته فاختار لاكشمن أن يرافق راما.
في إحدى رحلات راما مر فى طريقه على مملكة فيديا تلك التي يحرث ملكها الأرض ويزرعها بنفسه.
سمع راما من أهل البلد عجبا ، سمع أن هناك مسابقة لاختيار زوج لابنة الملك التي لا يماثل جمالها إمرأة في الكون ،
فهي ليست فتاة عادية وإنما هي سيتا التي ظهرت من الأرض فتمثل فيها ملكوت الأرض واتخذها الملك ابنة له.
وقصوا عليه قصة ولادتها ، ففي يوم من الأيام بينما الملك يقود المحراث في أرضه إذ دفع المحراث شيئا صغيرا ينبت من باطن الأرض ،
فلما أخرجه وجدها طفلة صغيرة فأسماها سيتا واعتبرها هدية الآلهة له ، ورباها بحب حتى بلغت سن الزواج.
واليوم يقيم الملك مسابقة لاختيار زوج متميز لسيتا فلن يمنحها لأي كان.
إقرأ أيضا: هل سمعتم عن من تزوجت مرتين في نفس الوقت؟
اشتهى راما أن يذهب للمسابقة ويرى سيتا التي يتحدثون عنها ووقع في قلبه أنه فائز بالمسابقة ،
فأخذ لاكشمن واجتازا البلد حتى وصلا لقصر الملك ووقف وسط الساحة ينظر لسيتا التي تجاور الملك على عرشه ،
وقد انبهر برقتها وجمالها.
كانت ترتدي يومها ثوبا من الحرير الأزرق مرصعا بالجواهر وينعكس على وجهها بريق عقد لؤلؤ يزين جبينها الأبيض ،
فامتلأ قلب راما بحبها.
قدم راما نفسه بكل فخر للملك وبالطبع لم يكن لراما ابن ملك كوسلا إلا كل ترحاب ،
ووقف وسط الامراء ينتظر دوره ليثبت قوته وشجاعته.
كل من قبله فشلوا في الاختبار لا أحد له القدرة على ربط القوس المباركة ،
فقد كان الشرط الفوز الوحيد هو ربط قوس الاله شيفا الثقيلة التي يملكها ملك فيديا وتلك لن يقدر عليها إلا من بارك الاله فيشنو مولده.
انهزم الجميع ولم يبق إلا راما الذي توسط الساحة واستلم القوس من يد الملك ،
ووقفت سيتا على قدميها تنظر لذلك الأمير الغريب وتمنت لحظتها لو أنه ربط قوس شيفا المباركة ،
وعلت وجهها حمرة الخجل لأول مرة.
وقف راما يثني القوس بيده ويربط أوتارها باليد الاخرى وكأنها قوس عادية ،
وانثنت القوس بين يديه كما لم يحدث من قبل وأيقن الملك والحضور أن هذا الشاب الواقف أمامهم لابد أن يكون حاملا لروح الاله فيشنو.
وكما انحنت القوس لراما انحنت سيتا له وقبلته زوجا محبا تلازمه في كل ما هو آت.
أقام ملك فيديا الأفراح في مملكته احتفالا بزواجهما السعيد ولسبعة أيام كانت سيتا تخرج لتحيي الشعب مع زوجها راما ،
وتنثر الذهب فوق رؤوس الرعية ابتهاجا.
وما من حي أو شارع إلا وملئته الفرحة بزواج المحبوبة سيتا.
إقرأ أيضا: قصة العقد والثعبان
مضت أيام العرس بسرعة وجاء يوم تفارق فيه سيتا أباها ومملكته لتمضي إلى حياتها الجديدة.
استمعت إلى دعوات أبيها وأخذت بركاته وبركة الالهة ومضت مع راما وأخوه لاكشمن في رحلتها إلى بلدها الجديد.
لم تكن رحلتهم سهلة إلى مملكة كوسلا إلا أن سيتا كانت شجاعة كما كانت جميلة ،
وكان حب راما لها أكبر من أي عائق.
فعندما عبروا الغابة والتفت الحية حول ساقها قاتل راما الحية وقتلها دون أن يصيب سيتا أذى ،
وعندما عبروا النهر وزلت قدمها وكادت تغرق أنقذها راما وحملها حتى الشاطئ.
كانت الرحلة مرهقة ولكن حب راما لها جعلها سهلة فقد كان يرعاها في كل لحظة وينثر لها من قلبه ما غير مشاعرها له ،
فلم تكن له مجرد مشاعر الزوجة المخلصة ولكن حبا عميقا ملأ قلبها وتحولت سيتا إلى عاشقة له.
عند وصولهم استقبلها شعب كوسلا بحب شديد وأقاموا الأفراح ابتهاجا بها وقد كان مقدمها عليهم سعيدا ،
فقد ازدهرت الأرض وزاد الماء في النهر ، فاستبشر بها الجميع وأحبها كل الناس ماعدا واحدة أخفت مطامعها عن الكل.
مرت الأيام سعيدة حتى شعر الملك يوداشترا أن صحته قد اعتلت ولم يعد يقوى على إدارة المملكة.
فقرر تنصيب إبنه الأكبر راما خلفا له وطلب من الجميع أن يبايعوه ، فأطاع الجميع إلا واحدة.
زوجته الثانية كياكي وذكرته بوعده لها أن ينفذ لها ثلاث أمنيات مهما كانت صعبة.
تذكر الملك وعده وبعد أن علم مطلبها وقع في حيرة من أمره وأخيرا رفض تنفيذها.
فقد تمنت كياكي أن ينفي الملك ابنه راما وزوجته سيتا إلى الغابة مدة ١٤ سنة ،
وأن ينصب ابنها بهارت ملكا بدلا منه وعندما رفض يوداشترا الأمر لم تخضع كياكي لإرادة الملك ،
فقد كانت شهوتها للملك أكبر من حبها لزوجها.
إقرأ أيضا: حكاية التاجر وإبنة القاضي
فطلبت راما وزوجته سيتا وأخبرتهم بالأمر وخيرتهم بين أن يفي أباه بعهده لها فيذهب راما إلى الغابة طوعا ،
وبين أن يخلف العهد فيصير ذلك خبرا في جميع الممالك المجاورة ،
أن الملك يوداشترا لا عهد له.
لم يكن أمام راما إلا الرحيل ، فمن الذي يقدر على تعريض الأب لمثل ذلك الخزي والعار ؟
فوافق أن يعيش حياة الزهد في الغابات ، وأصر أن يذهب إلى معتزله وحيدا ،
لكن “سيتا” تصر على الذهاب معه ، ولم تتردد سيتا للحظة أن ترافقه فما من زوجة مخلصة تترك زوجها في محنته ،
وكلامها في هذا الموقف تكاد تحفظه عن ظهر قلب كل عروس هندية منذ يومها.
إذ قالت : العربة والخيل المطهمة والقصر المذهّب ، كلها عبث في حياة المرأة ،
فالزوجة الحبيبة المحبة تؤثر على كل هذا ظلّ زوجها ، إن سيتا ستهيم في الغابة ، فذلك عندها أسعدُ مقاماً من قصور أبيها.
إنها لن تفكر لحظة في بيتها أو في أهلها ، ما دامت ناعمة في حب زوجها ،
وستجمع الثمار من الغابة اليانعة العبقة فطعام يذوقه راما هو أحب طعام عند سيتا.
لم تكن سيتا وحدها من أصرت على مرافقته أخوه لاكشمن أيضا ويقول :
ستسلك طريقك المظلم وحيداً مع سيتا الوديعة ، هلا أذنت لأخيك الوفي “لاكشمان” بحمايتها ليلاً ونهاراً ،
هلا أذنت للاكشمن بقوسه ورمحه أن يجوب الغابات جميعاً فيسقط بفأسه أشجارها ، ويبني لك الدار بيديه؟
أتى يوم الرحيل فخرج راما وسيتا ولاكشمن ليلا متسللين إلى الغابة ولكن كل شعب كوسلا كان يتبعهم في طريقهم حزنا عليهم ،
حتى أطراف الغابات فودعوهم ليبدأوا رحلتهم في المنفى.
خرجوا تاركين خلفهم حياة الرفاهية والنفائس والخدم ، تركوا ثيابهم الفاخرة وارتضوا أسمالا ونسيجا بسيطا ،
تركوا طعاما شهيا وارتضوا طعاما من ثمار الغابة ومما تصطاده أيديهم وسيوفهم.
إقرأ أيضا: حكاية تين هينان
وطالما التفت إلى راما حبيبته في فرحة تزداد على مر الأيام وكانت فرحة سيتا بالغابة غامرة فكانت تقضي يومها في التجول في الغابة مع راما ،
وتسأل ما إسم هذه الشجرة وهذا الزاحف وتلك الزهرة وتلك الثمرة مما لم تره من قبل.
مرت أيامهم سعيدة رغم بساطة حياتهم والطواويس ترفّ حولهم مرحة ، والقردة تقفز على الغصون.
كان “راما” يثب في النهر تظلله أشعة الشمس الذهبية وأما سيتا فكانت تسعى إلى النهر في رفق كما تسعى السوسنة إلى الجدول.
بنى راما ولاكشمن كوخاً إلى جانب النهر وجمعت سيتا عروق الشجر فصنعوا منه سقفا يحميهم من الأمطار.
وصادقوا حيوانات الغابة كما صادقوا كل من فيها من الرهبان والعابرين ،
حتى عفاريت الغابة والأرواح الهائمة أحبتهم وأنِست لقربهم وكما أحب البشر من شعب كوسلا سيتا الطاهرة أحبتها مخلوقات الغابة.
ولم تكن حياة سيتا في الغابة سهلة ولكن حب راما واهتمامه بها جعلت الغابة جنة في عيني سيتا.
فلم تمر لحظة إلا وراما يبث سيتا حبه وتقابل سيتا مشاعره بأروع منها.
مرت أعوام في سعادة غامرة ، لكن حدث أن كانت أميرة الجنوب” سورباناخا” النصف بشرية ونصف جنية أخت الملك رافانا ذا القوى الشيطانية ذا الرؤوس التسعة تجوب الغابة ،
فرأت راما وأغرمت به وحاولت كثيرا إغوائه فتارة تظهر في صورة طاووس مختال وتارة في صورة جنية رائعة الجمال ،
لكنه كان دوما يصدها ، ولم يبادر أبدا بإيذائها حتى ضاق صدر سورباناخا بحب راما لسيتا وإخلاصه لها ،
فحاولت إيذاء سيتا فأصر راما على عقابها فاعتقلها وقطع أذنيها وأنفها وقيدها إلى جذع شجرة.
ولكن سورباناخا هربت من قيدها وذهبت تستغيث بأخيها رافانا وتشجعه على الثأر لها ،
وتحدثه عن جمال سيتا ومحاسنها وتزين لها إختطافها وإحضارها إلى قلعته البعيدة في بلاد لانكا.
إقرأ أيضا: لقد ندم فلان ندامة الكُسَعي
في أحد الأيام وبينما سيتا تمشي في الغابة رأت غزالا ذهبيا رائعا تنعكس على قوائمه أشعة الشمس ،
فتتلألأ كما قطع الجواهر ويضوي جسده كما الذهب السائل ،
حاولت الإقتراب من الغزال فجفل منها ، حاولت لمسه فهرب أمامها نحو أطراف الغابة.
لم يكن ذلك الغزال سوى وزير الملك رافانا الذي يتشكل في أي صورة كانت وقد بعثه لينصب فخا لراما حتى يبعده عن سيتا ، فيستطيع رافانا أسرها.
وكما خطط رافانا فقد حدث إذ عادت سيتا إلى راما وهي حزينة تفكر في أمر الغزال الذهبي ،
وطلبت منه إحضاره إليها ليسليها في وحدتها بالغابة.
فوافق راما واستعد لمطاردة الغزال وترك لاكشمن وأوصاه ألا يترك سيتا.
غاب راما لأيام واستبد القلق بسيتا ولاكشمن فاتفقا أن يخرج لاكشمن ليبحث عن راما على ألا تفارق سيتا الكوخ وامتثلت سيتا لطلبه.
في اليوم التالي ارتفع صوت رجل عند الباب ففتحت سيتا ورأت أمامها ناسكا عجوزا أنهكه العطش ،
طلب منها الناسك كوبا من الماء وأن تدخله الكوخ ليرتاح قليلا.
لم تشك سيتا الطيبة للحظة في الناسك العجوز فأدخلته الكوخ ففرد الناسك عبائته واختطف سيتا إليه.
عندما فتحت سيتا عيناها لم تجد الكوخ ولا الناسك ولا الغابة.
حاولت رفع صوتها منادية راما فأتاها صدى الصوت من القاعة الرخامية البيضاء مرددا اسم راما.
وظهر لها الناسك العجوز أمامها قائلا : مرحبا بالبديعة سيتا فى قصر رافانا.
أنت الآن في مملكة لانكا لقد عبرتي البحار معي أنا الملك رافانا.
ستقيمين هنا ما بقي لك من العمر وستكونين زوجة لي فهنيئا لنا.
خلع رافانا عنه عباءة الناسك لتتحول هيئته من العجوز إلى رجل ذا رؤوس تسعة فعرفته سيتا التي طالما سمعت عن أخباره وعن شروره وإغارته على الممالك المجاورة ،
ولم تؤثر كلماته بها فهى موقنة بأن راما سينقذها ولم يكن أمامها حل إلا انتظاره.
إقرأ أيضا: حكاية راما وسيتا الجزء الأخير
فأمضت أيامها ولياليها في شرفة القصر تطالع القمر وتدعوا الآلهة أن يأتي راما لينقذها من رافانا.
كيف سنقذها وهو لوحده وليس معاه جيش غير أخوه لاكشمن؟
وهل سيقدرون على الرجوع إلى مملكتهم كوسلا ثانية؟
يتبع ..