قصص منوعة

حكاية عصفور وجرادة الجزء الأخير

حكاية عصفور وجرادة الجزء الأخير

في الصباح أتى جنود الملك لاصطحاب العصفور ، خرج من غرفته وكله ثقة ، كان يمشي كأنما قد وجد الحل مما أثار إعجاب أهل القصر ،

وتبعته العيون ، وما إن إقترب من قاعة العرش حتى تحولت ثقته ضعفا ، واستحال تبختره وهناً في أطرافه.

هيا يا عصفور هات ما عندك فقد انتهت مهلتك.

قال الملك : تصبّب جبينه عرقا ، وابتلع ريقه بصعوبة وقال بصوت خافت : لعل سيادتك لا يمانع في صحبتي إلى المكان الذي فيه جواهرك ،

فاتسعت عينا الملك وتهلل وجهه ، وقال : وهل عرفت أين هو؟

راح العصفور برفقة الملك وحشد كبير من الجنود حتى وصلوا إلى قفر من القفار ،

وتحت صخرة كبيرة جاثمة أمر الجند أن يحفروا كما أشار عليه العصفور ،

حيث أكياس كبيرة منتفخة بدأت تظهر فسارع الملك إلى فتحها ، فإذا بالذهب والمجوهرات تتلألأ فيها ، إنّه كنزه بعينه.

تتساءلون كيف ذلك؟ بالتأكيد ليس من علم العصفور ، لكن في الليلة السابقة حدث شيء عجيب ،

سمع طرق الباب ، ففتح الباب وخرج ليجد رجلا لا يعرفه قال له أنه يريد أن يحدثه بأمر جواهر الملك ،

إلتف عصفور لم يكن هناك أحد ، فخشي على نفسه لكن الرجل ، قال لا تخف جئت لخير ،

لقد أعماني الطمع فأخذت الجواهر وها أنا أرجعها وهي تحت صخرة كبيرة في المكان الفلاني ،

أرجوك أن تعفي عني ويكون هذا سرنا.

وكالعادة يحدق العصفور تحديقه الأبله ذاك ، ليستأنف الرجل الحديث سأعطيك صرة من المال مقابل صمتك ،

لكن ارحمني ولا تشكي بي إلى الملك أرجوك.

وهكذا اتفق العصفور مع رئيس العصابة الذي دله على مكان الكنز ، لكن لماذا وفّى رئيس العصابة بوعده ،

بينما كان بإمكانه أن يغدر بالعصفور ، ويوقعه مجدداً في ورطة مع السلطان تطير برأسه.

إقرأ أيضا: قصة الغجرية العذراء الجزء الأول

والسبب أن زعيم العصابة كان يخاف منه خوفا شديدا ، إذ كان الناس في البلاد يتحدثون عن مقدرته في رؤية الغيب ،

ونسجوا حوله الأساطير وكانوا متأكدين أنه في نهاية الشهر سيعرف الجناة ولقد تأكد من ذلك بنفسه.

1 3 4 10 1 3 4 10

كان يعتقد أن الرجل الذي عرف عدد عصابته ومكمنها لن يفوته مكان الكنز حتى لو غير مكانه ،

فأراد أن يظهر في نفسه صفات الطيب ذي النية الحسنة لعله على الأكثر يغنم حياته.

والعصفور كالعادة لا يفكر بشيء إطلاقاً ، لم يكن له سوى أن يثق في اللص ، ولكن الحظ كان حليفه.

أصبح العصفور ذو مكانة كبيرة عند السلطان وحاشيته الذي جعل منه مستشاره الخاص ،

وأعطاه و زوجته جناحا فخما في القصر ، ولم يزل الحظ حليفاً للعصفور في قصر الملك.

ومرة ثالثة تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، فقد زار الملكَ سلطان البلاد المجاورة والذي كان صديقاً وحليفاً له ،

برفقة وفد كبير من حاشية ووزراء ، وكان ملكنا شديد الاعتداد بمستشاره الجديد ” العصفور ” ،

الذي قد كان أثنى عليه في رسائل عدّة وجهها إلى حليفه ،

فأتى هذا الأخير معرباً عن رغبته الجامحة في التعرف على هذه الشخصية الفذة والحادة الذكاء ،

محملا بكثير من العطايا التي كانت تجعل عيني الجرادة والعصفور تتلألآن.

لكن هذا الملك لم يكن كغيره من الملوك ، فقد كانت له فراسة الصقر ، وشجاعة الأسد وعطاء الأرض ومن العلم دهر ،

ومن الحلم بحر ، وكان قد حضّر اختباراً يختبر به العصفور ، فوجه إليه الكلام قائلاً :

لقد سمعت عنك من ملكك ما يملأ نفس المكتئب سروراً ، ويرد الوضيع وقوراً ، وأنا شاكر لك عملك وجدك.

فاحمر وجه العصفور ونفخ ريشه فخراً بكلام الملك الموجه له ، ولم يلبث أن انقبض وغص صدره عندما سمع التالي.

إقرأ أيضا: قصة وعبرة الجزء الأول

واصل الملك الحديث ، وإني حضرت لك اختباراً يليق بمكانك ، وأمر جنوده فدخلوا بثلاثة براميل كبيرة ،

وأردف الملك قائلا : أريدك يا سيد العصفور أن تخمّن ما في هذه البراميل الثلاثة المغلقة ،

اسودّ وجهه ، وأظلمت عليه الدنيا وارتعدت أطرافه ، وهو يرى سيده الملك محمراً وجهه سرورا به وثقة فيه ،

وزوجته الجرادة التي تعض على أناملها من الخوف ، وملك البلاد المجاورة الذي ينظر إليه متحديا.

اتجهت إليه كل العيون تنتظر الجواب بشغف بالغ ، لقد حوصر تماما ، ماذا يفعل؟

هل تخلى عنه الحظ بعد أن سكنت له نفسه وفي أشد ما يكون حاجة إليه؟

فهو كذلك يفكر في بداية دخوله هذه المهزلة ، فمن حادثة الجرادة والعصفور التي كانت في سهولتها كالعسل ،

ثم حادثة كنز الملك المسروق التي كانت في احتدامها حامضة كالخل ،

وأخيراً هذه الحادثة الثقيلة السوداء كالقطران.

و هو كالعادة رجل يتمتم بكل ما يفكر فيه ، فتمتم متنهداً متحسراً : الأولى عسل ، والثانية خل ، والثالثة قطران.

ولم يفق إلا على يد الملك تضرب كتفه ، ووجهه متهلل كالبدر : أحسنت ، أحسنت.

علت التصفيقات والزغاريد ، وانهمرت عليه التهاني من كل حدب ، وصافحه الملك وهنأه على نفسه وهنأ عليه ملكه ،

وأجزل له العطايا ، وهو نفسه لا يصدق نفسه ، وكأنه في غيبوبة.

إنهالت عليه تهاني الوزراء وإطراءاتهم ، وطلب منه الملك زيارته في مملكته ،

وكانت زوجته الجرادة أكثر ما يكون فخراً بنفسها أمام بقية النساء ،

فقد أصبح زوجها الغبي من الحاشية الملكية ، وأكثر ما يكون منهم إلى الملك قرابة.

وبفضل الجرادة و الحظ ، أصبح للعصفور مكانة لا ينازعه فيها أحد عند ذي ملك ورياسة ،

ولم يزل الحظ حليفه إلى آخر لحظات حياته ، ومن يدري ، قد يأتي يوم يصبح فيه هو ملك البلاد بأسرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?