Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

حكاية هند بنت النعمان وكسرى

حكاية هند بنت النعمان وكسرى

المرأة التي أشعل حسنها الحرب مع الفرس :
بعد ملك عريض ، ومجد تليد ، تلقّفتها الأرضُ هائمةً على وجهها بحثا عن الأمان ،

بعدما دارت عليها دائرة الأيام ، لتصبح القلب النابض الذي ألهبَ الحماسةَ والحميةَ في شرايين القبائل العربية ،

إنها هند بنت النعمان رَبيبةُ الحَسَبِ والنسب ، بهيّةُ الطّلعة ، فصيحة اللسان وسيدة نساء العرب

هند بنت النعمان
هي هند بنت النعمان بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي ،

هي إمرأة بارعة الجمال ، فائقة الحسن ، راجحة العقل ، أميرة قومها ، وهي أيضًا شاعرة فصيحة بليغة ،

أبوها هو ملك اللخميين ، وأمها هي مارية الكِنْديَّة.

نشأت هند في قصر أبيها النعمان بن المنذر ملك مملكة الحيرة ، في رَغَدٍ من العيش ، تتقلّب في نعيم الملك ،

حتى جاء اليوم الذي انقلبت فيه حياتها وحياة أبيها رأسًا على عقب ،

حينما طلبها كسرى أبرويز ملك الفرس للزواج ، فرفض النعمان تزويجها من أعجمي ،

مما أغضب كسرى وعزم على الإنتقام منه لإهانته إياه.

موت النعمان ومعاناة هند
ادَّعى كسرى أنه تقبَّل رفض النعمان بن المنذر له بصدرٍ رحب ،

ثم دعاه لزيارته فوافق النعمان على تَلبية الدعوة ، إلّا أنه لم يَأمن كَيد كسرى فأَودع أهله وسلاحه عند هانئ بن مسعود الشيباني زعيم قبيلة بني شيبان.

حَبَس كسرى الملك النعمان عنده حتى مات ، فأفزع موته قبيلته وأهله ومنهم هند بنت النعمان بن المنذر ،

التي راحت تَجوب البَيداء باحثةً عمّن يجيرها من بطش كسرى الذي أرسل في بلاد العرب يطلب تسليم أهل النعمان وسلاحه ،

ويحذِّر كل من يأوي هند بنت النعمان ، وأنشدت في محنتها :

إقرأ أيضا: في سبعينيات القرن العشرين قامت مجموعة طلاب من جامعة النجاح

موتى بُعَيْدَ أبيكِ كيف حياتُنا والمَوتُ فهو لكل حيٍ مُرصَدُ

خَاب الرَّجَا ذهب العزا قلَّ الوَفا لا السَّهلُ سَهل ولا نجودٌ انجُدُ

جَمُدتْ عُيون الناس من عَبَراتها وقلوبهم صُمٌ صلادٌ جلمَد

رفض هانئ بن مسعود أن يُسلِّم سلاح النعمان إلّا إلى صاحبه حِفظًا للأمانة ، بينما خَشِيَت قبائل العرب إيواء هند بنت النعمان ،

فاسْتجارت بصفيّة بنت ثعلبة الشيبانية ، وهي حكيمة وشاعرة بني شيبان ، وكانوا يدعونها بالحُجَيْجة لرَجَاحةِ عقلها ،

وهي أخت عمرو بن ثعلبة الشيباني الفارس المِغوار من بَني شيبان.

الحجيجة تجير هند بنت النعمان
أعلنتْ الحُجَيْجةُ أنها تَأوي الحُرَقةَ إلى جِوارها وطلبت إلى أخيها عمرو أن يدعمها ،

وصاحت هند بنت النعمان بن المنذر في قومها تَحُثُّهم أن يحموا جارتَهم العربيّة من بَطشِ كسرى الأعجميّ وظلمه ،

وألَّا يكونوا جُبناء مثل بعض القبائل الأخرى ، وإلَّا تركتهم وطَلَبتْ الحماية لها وللحُرَقَة من غيرهم ،

فيلحقهم الذُّل والعار ما بَقوا ، وفي هذا أنشدت الحجيجة تقول :

أحيوا الجوارَ فقد أماتَته معاً كلُّ الأعارب يا بني شيبانِ

ما العذر؟ قد نشدت جِوارى حُرّةٌ مغروسةٌ في الدرِّ والمرجانِ

بنتُ الملوك ذوي المَمَالك والعُلى ، ذاتُ الجمال وصفوةُ النعمان

معركة ذي قار
ولما عَلِم كِسْرى بإيواء قبيلة بني شيبان لهند بنت النعمان وتجاهلهم لتهديده ،

أخذه الغرور والأَنَفة وأعلن الحرب على بني شيبان وأرسل جيشه لقتالهم وأَسْر هند والإستيلاء على أسلحة النعمان ،

إقرأ أيضا: على سرير بإحدى المشافي كان مستلقيا

لكن قبيلة شيبان لم تخف ، وكذلك زعيمها هانئ وفارسها عمرو والحجيجة التي فرحت ببَسالة فرسان قبيلتها ،

الذين أعدُّوا العُدة لمواجهة جيش كسرى وحماية من يستجير بهم ، وقالت في ذلك ابتهاجًا وفخرًا :

أنا الحُجَيْجَةُ من قوم ذوي شرفٍ أولى الحفاظ وأهل العز والكرمِ

قولوا لكسرى أجرنا جارةً فثوت في شامخِ العزِّ يا كسرى على الرُغُمِ

نحنُ الذين إذا قُمنا لداهـيةٍ لم نبتدع عندها شيئًا من الندمِ

نحوطُ جارتنا من كُلِّ نائبةٍ ونرفدُ الجارَ ما يرضى من النعم
ِ
وأقبل جيش كسرى للنيل من قبيلة شيبان وإذلال هند ، فكان جيش بني شيبان لهم بالمرصاد ،

فهزموهم وغنموا منهم مغانم كثيرة ، فاستشاط كسرى غَضَبًا فأعدَّ جيشًا عظيمًا لإذلال بني شيبان ومَن جاورهم من العرب ،

ثم سار بجيشه قائدًا وجعل ابناه في المَيْمَنة والمَيْسرة وكان هو في القلب ،

فلما علمتْ قبائل العرب عزمت على مُؤازرة إخوانهم والانضمام إليهم في قتال كسرى ،

وتلك من سمات الحمية عند العرب فكانوا يحمون الجوار ولو كان الثمن أرواحهم.

وراحت صفية تدعو القبائل المجاورة وأهلها وتحثّهم على دعمهم لصدِّ عدوان كسرى بعدما عزم على سَفك دماء العرب ،

وكان من القبائل التي لبَّتْ نداءها : بنو حنيفة ، وبنو لجيم ، وبنو عجل ، وَبنو ذهل ،

ثم اليَشكريون الذين أغاثوهم في آخر المعركة فانقضوا على جنود كسرى فأبادوهم وهُزموا شر هزيمة ،

وغَنم العرب من هذه المعركة الكثير من المغانم من الذهب واللآلئ والإبل التي خلفها جنود كسرى.

ولم تكن معركة ذي قار يومًا واحدًا وإنما كانت أيامًا يدور فيها القتال بين العرب والفرس ومَن حَالفهم من العرب ،

وتغيرت فيها التحالفات نُصرةً للعرب حتى انتهت بهزيمة الفرس.

إقرأ أيضا: صفات المؤمنين الصبر

ولما كان من هزيمة كسرى ومقتل نَجْليه ؛ لم يَجرؤ على الإقتراب من العرب أو قِتالهم ، ولم يَجرؤ على ذلك أحد غيره من الأعاجم ،

فكان تآزر العرب عند الشدائد لحماية الجار المُستجير وحفظ نسائهم وغيرتهم رادعًا لكل معتدي.

مصير هند بنت النّعمان بعد المعركة

كان من المروءة أن أحدا من فرسان القبائل الذين دافعوا عن هند لم يطلب الزواج منها رغم جمالها ،

لكنهم حمّلوها بالهدايا قبل أن تتركهم ، وقد أوجزت ما حدث لها في شعرها ، فقالت :

المجدُ والشرفُ الجسيمُ الأرفع لصفيةٍ في قومها يُتوقعُ

ذات الحِجاب لغير يومِ كريهة ولدى الهياج يُحلُ عنها البرقعُ

لا أنسَ ليلة إذ نزلت بسوحها والقلب يخفقُ والنواظرُ تدمعُ

والنفسُ في غمرات حزنٍ فادح ولهى الفؤادِ كئيبة اتفجّعُ

مطرودةً من بعد قتل أبوّتي ما إن أُجارُ ولم يسعني المضجعُ

ويئست من جارٍ يُجيرُ تكرمًا فأُجرت واندملت هناك الأضلعُ

وتواردوا حوضَ المنيةِ دون أن تُسبى خفيرةُ أختهم واستجمعوا

وألح كسرى بالجنود عليهمُ وطميحُ يردفُ بالسيوفِ ويدفعُ

وهمُ عليه واردون بطرفهم والنصر تحت لوائهم يترعرع

قررت هند بنت النعمان أن تلبس المُسوح ، وهو زيٌّ ترتديه الراهبات المسيحيَّات ،

وتبني ديرًا صغيرًا لها بين الحيرة والكوفة وسُمي “دير هند الصغرى” ؛

للتمييز بينه وبين دير هند بنت الحارث ، وعاشت فيه حتى جاء الفتح الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?