حكم التأخر عن صلاة الجماعة في المسجد

حكم التأخر عن صلاة الجماعة في المسجد

صلاة الجماعة في المسجد واجبة على الرجال القادرين ، في أصح قولي العلماء.

ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات ،

حيث يُنادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم ،

كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم ،

وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ،

ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ،

ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف).

وفي لفظ ، قال : إن رسول الله صل الله عليه وسلم علَّمَنا سنن الهدى ،

وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه. رواه مسلم ( 654 ).

جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (7/ 285) : “س 1، 2: ما حكم صلاة الجماعة ، وهل المقصود بالجماعة جماعة المسجد؟

ما حكم صلاة الرجل في بيته من غير عذر ، ومنزله قريب من المسجد؟

الجواب : صلاة الجماعة واجبة ، ويأثم من تركها بغير عذر ،

وإذا أطلقت فالمراد بها جماعة المسجد إذا وجدوا ، وقدر المسلم على أدائها معهم.

الشيخ عبد الله بن قعود ، الشيخ عبد الله بن غديان ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى.

والجماعة التي تجب على من سمع النداء هي الجماعة الأولى ، فلا يجوز التخلف عنها إلا لعذر ، ومن فعل ذلك أثم.

قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : “الذي يتعمد أن يتأخر عن الجماعة ويقول أصلي جماعة بعدهم ، ما يجوز.

إقرأ أيضا: هناك بعض السور القرآنية ورد في استحباب قراءتها بعض الأحاديث

هذا تفرق بين المسلمين ، هذا حرام ، أما من جاء يصلي مع الجماعة وفاتته الصلاة فلا بأس أن يقيم جماعة ثانية لأنه معذور.

واعلم أن تعمد التأخير لإقامة جماعة ثانية بدعة.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم تعدد الجماعة في مسجد له إمام راتب ، ومؤذن راتب؟

فأجاب : “تعدد الجماعة على قسمين : القسم الأول : أن يكون ذلك راتباً بحيث تتعمد الجماعة الثانية التأخر ،

حتى تقيم جماعة أخرى ، فهذه بدعة ؛ لأن المسجد لا يقام فيه إلا جماعة واحدة. انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (41/12) .

ثم إنه لا يحصل بما أدركه من الجماعات المتأخرة ، ولا الجماعة في منزله ، وسوقه ،

على أجر الجماعة الأولى ، الذي وردت به الأحاديث.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، أيضا : قول القائل : إنهم إذا صلوا في المسجد ، ولو بعد الجماعة الأولى ،

فإن لهم أجر سبع وعشرين درجة : فهذا ليس بصحيح ، فأجر سبعٍ وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط ،

أما الثانية : فلا شك أن الصلاة في جماعة أفضل من الصلاة على وجه الإنفراد ،

لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة الأولى : فهذا ليس بصحيح ، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا ،

ويصلون جماعة ويقولون : أخذنا أجر سبع وعشرين درجة ، فهذا لا أعلم أحداً قال به ،

أي : أن الصلاة الثانية كالصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة ؛ فلا أعلم أحداً قال بهذا”.

” لقاء الباب المفتوح ” (44/ 20) بترقيم الشارح

ثانيا :

لا بد أن يعلم المسلم أن الصلاة أعظم أركان الإسلام العملية ،

وهي الفاصل بين المسلم والكافر كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول :

” بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة “.
رواه مسلم ( 82 ) .

إقرأ أيضا: إنها الصلاة

ثالثاً :

اختلف الفقهاء رحمهم الله في حكم صلاة الجماعة على أقوال عدة :

أصحها : أن صلاة الجماعة في المسجد واجبة ، وعليه تدل الأدلة الشرعية.

وهو قول عطاء بن أبي رباح والحسن البصري والأوزاعي وأبي ثور ، والإمام أحمد في ظاهر مذهبه ،

ونص عليه الشافعي في ” مختصر المزني ” فقال :

” وأما الجماعة فلا أرخص في تركها إلا من عذر ” ، واختاره الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.

وأما الأدلة على الوجوب فكما يلي :

قال الله تعالى « وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك »
سورة النساء / 102 .

قال ابن المنذر رحمه الله : ففي أمر الله بإقامة الجماعة في حال الخوف : دليل على أن ذلك في حال الأمن أوجب.

” الأوسط ” ( 4 / 135 ) .

وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله ، ووجه الإستدلال بالآية من وجوه :

أحدها : أمره سبحانه لهم بالصلاة في الجماعة ثم أعاد هذا الأمر سبحانه مرة ثانية في حق الطائفة الثانية بقوله :

ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك ،

وفي هذا دليل على أن الجماعة فرض على الأعيان إذ لم يسقطها سبحانه عن الطائفة الثانية بفعل الأولى ،

ولو كانت الجماعة سنَّة لكان أولى الأعذار بسقوطها عذر الخوف ، ولو كانت فرض كفاية :

لسقطت بفعل الطائفة الأولى ، ففي الآية دليل على وجوبها على الأعيان ، فهذه ثلاثة أوجه :

أمره بها أولا ، ثم أمره بها ثانيا ، وأنه لم يرخص لهم في تركها حال الخوف.

” الصلاة وحكم تاركها ” ( ص 137 ، 138 ) .

قوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين البقرة / 43 ،

ووجه الاستدلال بالآية أنه سبحانه أمرهم بالركوع وهو الصلاة ، وعبر عنها بالركوع لأنه من أركانها ،

إقرأ أيضا: حكم قراءة القرآن عند القبور

والصلاة يعبر عنها بأركانها وواجباتها كما سماها الله سجودا وقرآنا وتسبيحا ،

فلا بد لقوله مع الراكعين من فائدة أخرى وليست إلا فعلها مع جماعة المصلين والمعية تفيد ذلك ،

إذا ثبت هذا فالأمر المقيد بصفة أو حال لا يكون المأمور مُمتثلا إلا بالإتيان به على تلك الصفة والحال ؛

فإن قيل فهذا ينتقض بقوله تعالى : يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين. آل عمران / 43 ،

والمرأة لا يجب عليها حضور الجماعة ، قيل : الآية لم تدل على تناول الأمر بذلك لكل إمرأة بل مريم بخصوصها أمرت بذلك بخلاف قوله :

وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين ،

ومريم كانت لها خاصية لم تكن لغيرها من النساء ؛ فإن أمها نذرتها أن تكون محررة لله ولعبادته ولزوم المسجد وكانت لا تفارقه ،

فأمرت أن تركع مع أهله ولمَّا اصطفاها الله وطهَّرها على نساء العالمين أمرها من طاعته بأمر اختصها به على سائر النساء قال تعالى :

وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين
آل عمران / 42 و 43 .

فإن قيل : كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم ،

بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا كقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين التوبة / 119

فالمعية تقتضي المشاركة في الفعل ولا تستلزم المقارنة فيه ،

قيل : حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها ، وهذه المصاحبة تفيد أمراً زائداً على المشاركة ولا سيما في الصلاة ،

فإنه إذا قيل : صلِّ مع الجماعة أو صليتُ مع الجماعة ، لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة .

” الصلاة وحكم تاركها ” ( 139 – 141 ) .

إقرأ أيضا: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال :

” والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ،

ثمّ أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرْقاً سميناً ، أو مِرْمَاتين حسنتين لشهد العشاء ” .

رواه البخاري ( 618 ) ، ومسلم ( 651 ) .

عرْق : العظم.

مرماتين : ما بين ظلفي الشاة من اللحم.

والظّلف : الظفر.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :

” إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ،

ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً يصلي بالناس ثم انطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار “.

رواه البخاري ( 626 ) ، ومسلم ( 651 ) .

قال ابن المنذر : وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم :

أبين البيان على وجوب فرض الجماعة ، إذ غير جائز أن يحرِّق الرسول صل الله عليه وسلم مَن تخلف عن ندب ، وعما ليس بفرض.

” الأوسط ” ( 4 / 134 ).

وقال الصنعاني رحمه الله : والحديث دليل على وجوب الجماعة عيناً لا كفايةً ،

إذ قد قام بها غيرهم فلا يستحقون العقوبة ، ولا عقوبة إلا على ترك واجب أو فعل محرم.

” سبل السلام ” ( 2 / 18 ، 19 ) .

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : من سرَّه أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات ،

حيث يُنادى بهن فإنهن من سنن الهدى وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته ،

لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم ،

وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ،

إقرأ أيضا: الصلاة صلة بين العبد وربه

ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ،

ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف.

وفي لفظ ، قال : إن رسول الله صل الله عليه وسلم علَّمَنا سنن الهدى ، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.

رواه مسلم ( 654 ) .

قال ابن قيم الجوزية رحمه الله :

فوجه الدلالة : أنه جعل التخلف عن الجماعة من علامات المنافقين المعلوم نفاقهم ؛

وعلامات النفاق لا تكون بترك مستحب ولا بفعل مكروه ، ومن استقرأ علامات النفاق في السنَّة :

وجدها إما ترك فريضة ، أو فعل محرم ، وقد أكد هذا المعنى بقوله :

” من سرَه أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ” وسمَّى تاركَها المصلي في بيته متخلفاً تاركاً للسنَّة ،

التي هي طريقة رسول الله صل الله عليه وسلم التي كان عليها وشريعته التي شرعها لأمته ،

وليس المراد بها السنَّة التي مَن شاء فعلها ومَن شاء تركها ؛

فإن تركها لا يكون ضلالا ، ولا من علامات النفاق كترك الضحى وقيام الليل وصوم الإثنين والخميس.

Exit mobile version