حورية البحر الجزء الثاني
إلتفت السلطان إلى وزيره ميمون وهو عالم بالجواهر وسأله كم أعطي الشيخ ثمنا لها؟
أجابه يكفيه عشرة آلاف درهم فهي تساوي أضعاف هذا المبلغ.
بعد قليل جاء الخازن وسلمه المال فخرج الشيخ وهو لا يصدق نفسه ومر في طريقه على كبير الصاغة فحدثه بالأمر فقال له :
لقد إحتال عليك الوزير فهو جشع لكن السلطان يقربه لأنه يعرف كيف يملأ خزائنه بالمال.
إذا وجدت لؤلؤة أخرى فأنا أزيدك ألفي درهم على الثمن الذي بعتها به ، فأومأ له الشيخ عبد الله بالقبول.
وأصبح يبيعه كل الأصداف التي تحملها سوسنة وبعد مدة أبلغ جواسيس ميمون في السوق أن العديد من لآلئ الجوهرة البيضاء ،
ظهرت عند سيد قبائل الشاطئ وهو يبيعها لكبير الصاغة.
قال الوزير في نفسه سأقبض على ذلك الشيخ اللئيم وأعذبه لأعرف منه كيف وصلت هذه اللآلئ إليه ،
فأنا وقومي أحق بهذا المال.
سنستولي على الحكم ونبني معبدا كبيرا وسيكثر عددنا ونصبح سادة هذه الأرض.
في أحد الأيام كان الرجل يمشي في السوق وفجأة إقترب من إثنان من شرطة السلطان وقالوا له إن الوزير يريد رؤيتك أجاب :
إن كان ذلك بخصوص الجواهر أعلموه أني حر في بضاعتي أبيعها لمن أريد وهم بالإنصراف.
لكن الشرطيين قالا له ستأتي معنا رغم عنك وأمسك أحدهم برقبته وهمس له :
إن لم تجئ معنا فلن ترى إبنتك عائشة بعد الآن هل تفهم هذا أيها الوغد؟
بعد إمساك الشرطيين بوالد عائشة لم يجد الشيخ بدا من السير معهم وندم على عدم التريث في بيع تلك اللالئ النفيسة ،
كان عليه أن يعلم أنها ستجر له المشاكل لكنه أساء التدبير وأصبح هو وإبنته وحورية البحر في خطر.
إقرأ أيضا: كان هناك رجل بخيل سيء الطباع الكل يبغضه ويشتكي من ظلمه
عندما وصل إلى القصر رموه في في زنزانة عفنة وتركوه دون طعام وشراب لمدة يومين ،
وفي اليوم الثالث أتاه الوزير وقال له : إذا أخبرتني عما أريد معرفته فستأكل وتشرب وتذهب إلى أهلك ،
وإلا فإنهم سيختفون ولن تراهم أبدا.
قل لي كيف تحصل على كل هذه الأصداف في وقت قصير ، لا شك أنك تعرف أين توجد مملكة البحر وستدلني على مكانها.
فكر الشيخ وقال في نفسه : لو أخبرته فسيقبضون على الحورية ويدمرون مملكتها ويقتلون سكانها.
إذا كان علي الإختيار بين عائشة وسوسنة سأختار إبنتى وليسامحني الله على ما سأفعله في حق مخلوقة رائعة أحببناها كلنا.
ثم حكى للوزير عن عن كل شيء وترجاه أن يتركه يذهب في حال سبيله فهو قلق على إبنته كثيرا.
إبتسم ميمون في خبث وأجابه : ستبقى في ضيافتي بضعة أيام من يضمن لي أنك لن تحذر تلك الحورية لتهرب.
أدرك الشيخ أن الوزير سيتآمر عليه لأخذ ماله وسر الجوهرة البيضاء وأنه الآن في ورطة ،
رفع يديه إلى السماء وبكى وقال : إرحمني يا رب فليس لي سواك.
كان للسلطان إبن إسمه قيس وكان يهوى صيد الأسماك إلتفت إلى إبن عمه مروان وقال له :
الطقس يبدو جميلا ما رأيك أن نذهب للصيد والسباحة؟
أجاب مروان : لقد فكرت في نفس الشيء ، فالحر شديد هذا اليوم وليس لنا ما نفعله ، هيا لنذهب.
حمل العبيد الشباك والماء والطعام واتجه الجميع ناحية الشاطئ حيث يوجد كوخ أنيق من القصب يملكه السلطان وعدة زوارق بمجاذيف.
عندما إقتربوا من قرية الشيخ محمد سمعوا صياح جارية أمر إبن السلطان الركب بالتوقف ،
وذهب مع مروان لرؤية ما يحدث ومن بعيد شاهد رجال أبيه يربطون أحد حوريات البحر بالحبال وهي تبكي ،
وجارية صغيرة تدافع عنها غير آبهة بالضرب والركل الذي تتعرض له.
أما أهل القرية فقد جمعهم الجند في أحد أطرفها وصوبوا إليهم سهامهم ورماحهم ،
ولما رأى الأمير قيس ذلك جرد سيفه وفعل مثله إبن عمه وهمزا فرسيهما وانطلقا بسرعة الريح ناحية الجارية.
عندما رآهما رئيس الجند صاح توقفوا إنّه الأمير قيس.
إقرأ أيضا: حورية البحر الجزء الثالث
لكن الوزير ميمون تفاجأ بذلك وأحس بالإنزعاج وقال في نفسه :
لن أترك هذا الغلام يفسد خطتي وصاح في أتباعه ضعوا الحورية والجارية في السفينة وسأتدبر أنا الأمر.
لما رآهم قيس يجرون الفتاتين للسفينة قال لمروان إركب أنت والعبيد الزوارق وهاجموا السفينة وامنعوها من التحرك هيا أسرع.
حاول ميمون أن يتحيل على الأمير وقال له : لقد فعلت ذلك حرصا مني على مصلحة المملكة ،
فهذه الحورية بإمكانها أن تدلنا على مكان فيه خير وفير.
أجاب الأمير : يا ميمون ومتى نضرب الجواري ونصطاد حوريات البحر ، لو علم أبي سيكون عقابك أنت ومن معك.
أجاب ميمون أنت من سيكون عقابه عسيرا لأنك تتدخل في أمور الحكم وماذا تعرف أنت عن الحكم و التدبير؟
أحس الأمير أن الوزير اللئيم يحاول أن يستفزه ليجد حجة أمام أبيه لكنّه تمالك نفسه وقال :
أبي شخص يحب الترف لكنه سيتوقف عن ذلك إذا علم بوسائلك القبيحة لجمع المال!
كان ميمون يستمع ويلتفت ناحية السفينة ورأى أن رجاله قد أصعدوا عائشة ورفيقتها الحورية على متنها ونشروا الأشرعة وابتسم ،
فالأمير لن يقدر على فعل شيء الآن وسيكون له الوقت ليكيد له عند أبيه السلطان ويبعده عن القصر ،
ومن غيره يبرع في حياكة الدسائس والمؤامرات.
لكن في هذه اللحظة ظهرت الزوارق وفيها العبيد المسلحون وعلى رأسهم مروان ،
وصاح أطلقوا السهام المشتعلة على الأشرعة وأطلق القوم سهامهم فأصابت الصاري والأشرعة والحبال ،
وانتشر اللهب وعم الفزع الركاب.
رمى العبيد حبالهم على السفينة وبدئوا في تسلقها وعندما رأى أهل القرية ذلك هاجموا الجند الذي تركوا سلاحهم وفروا ،
وركب ميمون أقرم الجياد إليه وفر في مقدمتهم وهو يلعن حظه وقال ألم يجد الأمير غير هذا الوقت ليظهر فيه؟
يتبع ..