حين أمسكت بورقة طلاقي علمت أنني لا أتوهم

حين أمسكت بورقة طلاقي علمت أنني لا أتوهم ، كل شيء قد انتهى بالفعل ، لا أعلم كم مرّ من الوقت وأنا أنظر إلى الورقة ،

أمعنت النظر في كل حرف بها ربما أتوهم! ربما لست أنا ، ربما تراجع آدم في اللحظة الأخيرة.

أعلم أننا اتفقنا على كل شيئ مسبقًا ، ولكن الألم في الحقيقة فاق كل توقعاتي ، أنا مُطلقة!

حين وقع نظري على إسمي أيسر الورقة انتفضت بصدمة ،

ربما تلك المرة الخامسة والعشرون التي أعيد بها قراءة إسمي على الورقة ، ولكن جزء مني يرفض التصديق.

لم تسِر الأمور بيننا كما خططنا لها ، الحب لم يكن كافيا لاستمرار الحياة في بعض الأحيان!

أفلتت مني شهقة بكاء ولم أستطع كبت دموعي أكثر حين تمتمت : ظننت أن ما بيننا لن ينتهي.

تخيلت أننا في حفل ذكرى مولدي الخامس والعشرون سنكون في شرفة بيتنا نضحك ،

بعد أن فاجأني بقالب حلوى صنعه خصيصًا لي وأطباق طعام رُصّت بعشوائية وشمعة نسي أن يُشعلها ،

وأفاجئه أنا بخبر حملي لطفلنا الأول.

كانت لتصبح أفضل ليلة في العُمر ، كنت سأقصّها على أطفالنا من حين لآخر ،

ستتغير نبرة صوتي فجأة بحماس في الجزء الخاص برد فعل والدهم على خبر قدومهم للحياة.

وبدلًا من الاحتفال معًا بذكرى ميلادي ، أبكي الآن لأن ما بيننا انتهى.

في ذلك الوقت تحديدا كان ليتصل بي بعد خروجه من العمل ليسأل إن كنت أحتاج شيئا من الخارج ،

وأجيبه بأن يبتاع الحليب والخبز وألّا ينسى الفطائر الصغيرة.

كنت أقف في الشرفة قبل قدومه إلى المنزل أراقب الطريق ،

وحين ألمح سيارته من أول الشارع ، أدخل بسرعة من الشُرفة وأقف أمام المرآة لأضع أحمر الشفاة وأرتب شعري ،

ثم أعود لأجلس على الأريكة مدّعية أنني منشغلة بأيّ شيء ، بعد أن أنثر المعطّر في الهواء.

إقرأ أيضا: إمرأة لا تستطيع أن ترفع بصرها على زوجها

لن أنكر أن أول ليلة مخيفة ، لا وجود لصوته ، أو صوت التلفاز مختلطًا بصوت هتافه حين كان يشاهد مباراة كرة قدم ،

لا وجود لصوت جلبة في غرفة النوم كما كان يبحث كل يوم عن شيء جديد أضاعه ثم سؤاله عمّ إن كنت رأيت الشيء المفقود ،

ذاكرته لم تكن قوية كفاية للإحتفاظ بالأشياء ، أتمنى ألا أسقط يومًا من ذاكرته.

نفضت رأسي بسرعة عقب جملتي الأخيرة التي رددتها داخلي ، وما الفرق؟ على كل حال سينسى كلٌ منا الآخر في يوم ما.

أخبرتني صديقتي أن الألم الذي أشعر به الآن هو تتبعات الفراق وبقدر مكانة الأشخاص لدينا ستطول الأيام ، مع الأيام سيزول الألم ،

سيتلاشى الحنين وسيُصبح أمر طلاقنا في صندوق مُهمل خلف الذاكرة.

مرّت الأيام ، الشهور ، السنوات وما زال الألم رفيقي ،

عُدت للسكن مع أبي وأمي خلال الأعوام السابقة التي لم تخلُ من الشجار بيني أنا وأمي حول زواجي بآخر بعد” آدم”.

الآن أدركت أن للحب جانب آخر سيء ، جانب متعلق بوجع خفيّ ، وأن الذاكرة لا تسعف للنسيان ،

وأن الأيام لا تُضمد الجروح.

لا أحد يعلم أنني وحتى الآن مازلت أحبه لأن ببساطة” لا أحد يعلم ما كان بيننا” ، أفتقد سماع حلوله لمشاكلي ،

طرائفه السخيفة التي كانت تضحكنا مساءًا ، الأوقات التي كنّا نتجول بها في الشوارع ، كما أنني أفتقد شجارنا.

ليتنا تشاجرنا ولم نبتعد ، ليت الأمور لم تتفاقم بيننا ، لمَ لم يصلح الأمور في النهاية كما أعتاد؟

أعلم أنه أصبح مهملًا في الشهور الأخيرة ، لم نتحدث كثيرًا ، وأغلب الوقت كان يُقضى في الشجار ،

كنت أعلم أننا سنعود كما كل مرة تشاجرنا بها ، سيُصلح الأمر ونعود ، ولكن ذهاب كل منا في طريق؟ هذا ما لم أضعه بالحسبان.

أمسكت الهاتف وكتبت له رسالة على رقم هاتفه القديم : ” لمَ رحلت؟”
ثم حذفتها بسرعة قبل أن تُرسل.

إقرأ أيضا: أخبرتني والدتي أن دكتورا تقدم لخطبتي

خُطبت في الثامنة عشر ، وتزوجني في عامي العشرين ، ثمانية أعوام نسيت فيهم معنى الوحدة ،

الآن – وبعد عشر سنوات من طلاقنا – أشعر بأنني ما زلت عالقة في ذلك اليوم.

اليوم حفل زفاف صديقتي التي كانت سببًا في زواجي أنا وآدم ، عرفت أن آدم سيكون حاضرًا نظرًا بأنهم أقارب.

في البداية فكرت ألّا أذهب ، ولكن مع إلحاح أمّي على أن أذهب معها خاصةً أن صديقتي دعتني بنفسها لزفافها ، فقررت الذهاب.

سلمت على العروس وخرجت إلى الساحة بعيدًا عن الضوضاء ، لم أرَه ، بالطبع أخرته زوجته الجديدة ، أم أولاده؟ لا يهم.

عُدت للتفكير مجددًا “تُرى كم طفلًا لديه؟ فتاة أم ذكر؟ هل تزوج بفتاة أجمل مني أم أذكى؟ هل شاركها الطرائف السخيفة؟

بالطبع تجولا معًا في الشوارع ، كم مشكلة لزوجته وجد لها حلًا؟

وهل صنع لها قالب حلوى خصيصًا لذكرى حفل ميلادها؟ كم مرة أخبرها ب” أحبكِ؟” لا يهم.

سقطت دمعة من عيني وعاد الألم يمسح بيده على قلبي مجددًا حين ردد عقلي :

ربما يرقص مع فتاته الصغيرة وتراقبهما زوجته من الزاوية بسعادة.

أسماء؟
انتفضت في مكاني حين استمعت لذلك الصوت الذي لم أنسَ نبرته أبدًا ،

رفعت رأسي بسرعة ووجدته ، لم تتغير ملامحه ، لم يتغير به أيّ شيء عدا الشُعيرات البيضاء في رأسه.

مسحت دموعي بسرعة وقلت بإضطراب :
مرحبًا يا آدم.

جلس بجواري بفارق مسافة ونظر أمامه دون أن ينطق بشيء ، ثم نظر إلى يدي بعد دقائق وقال بإندهاش لم يستطع إخفاءه :

ألم تتزوجي؟
لم أرِد الزواج.

(صمتُّ دقيقة وسألته) : كم طفلًا لديك؟ أنسيت خاتمك؟هل تشاجرت مع زوجتك لأجل هذا فخرجت من القاعة؟

إقرأ أيضا: الأم

ما زلت عالقًا في ذلك اليوم يا أسماء ، أخبريني كيف أتجاوز الأيام وكل شيء يعيدني إليكِ؟

لم أتوقع جملته ، لم أتوقع أنه ما زال عالقًا معي في نفس الوقت ، أننا ما زلنا معًا ولكن في دائرة الماضي.

كان بيينا الوقت! محاولة مني كانت ستصلح الأمور!

سافرت بعد طلاقنا ولم أعُد لأن طوال هذا الوقت ظننت أنكِ قد ، ( صمت قليلًا ثم تابع) ، كم أنا غبي!

نظرت أمامي مبتسمة : إذًا قد خالفت توقعاتك.

هدأت نبرة صوته حين قال بصدق : كنتِ كما تمنيّت ، وكنتُ أنا خيبة لآمالكِ.

كنت رجلًا رائعًا يا آدم ، لا داعي لهذا الحديث الآن.

أتمنحيني فرصة؟
سألته بعدم فهم : ماذا؟

كلٌ منا يستحق فرصة أخرى ، فرصة يثبت أنه نادم ، أنه قادر على تصحيح الأخطاء وإحالة المواقف الحزينة لذكريات جميلة لا تُنسى ،

إن لم تسامحي الآن، فقط أعطِني الفرصة لأحاول محاولة واحدة.

كل منا ذهب في طريق يبعتد عن الآخر بمسافة كان من السهل عبورها منذ سنوات ، الآن بيننا مسافة بلاد.

سأعود بحثًا عنكِ وسنلتقي مجددًا.

هل تزوجت؟
إن كنت وجدت من يُنسيني الديار لكنت تزوجت منذ زمن.

لكنّي تركت لك المنزل!
الدار من دونكِ غُربة ، لم تكن الديار سوى” أنتِ”.

قام من مكانه ونظر إليّ مبتسمًا : أتمنحيني فرصة؟

هل أحببت فتاة غيري؟
هز رأسه بيأس وضحك ، ثم استدار وابتعد عدة خطوات ، فسألته بصوت مرتفع : سنلتقي؟

أجابني دون أن يستدير : سأجد الطريق دومًا إليكِ.

إقرأ أيضا: أحببتها أبكيتها خجلا

لا أعلم كيف عُدت إلى المنزل ، طوال الطريق لم ينشغل عقلي سوى بالتفكير به ،

لم أستطع إخباره أنني لم أسامحه على عمرنا الذي مضى ، ولكن لا بأس بالمحاولة.

آدم يستحق فرصة أخرى ، ما بيننا يستحق فرصة أخرى على الأقل ، لقد عاد ووجدني؟

عاد ولم يتزوج؟ كنت في ذاكرته طوال هذا الوقت؟

في الصباح ، وجدت إحدى عشر رسالة ، كُتب على عشرٌ منها تاريخ مولدي والسنة التي كُتبت بها الرسالة واسمه ،

طوال عشر سنوات لم ينسَ ذكرى ميلادي؟

وفي الرسالة الأخير كتب فيها إجابة عن سؤالي الأخير :

“لم أخنكِ حتى في الذاكرة”.

Exit mobile version