خص الله سبحانه وتعالى بعض بقاع الأرض ببركات لم يجعلها في غيرِها ،فجعل بعضها موطن الشرور والفتن ،
وبعضها موطن الخير والبركات.
اللهمَّ بارِكْ لَنا في مَكَّتِنا ، اللهمَّ بارِكْ لَنا في مَدِينَتِنا ، اللهمَّ بارِكْ لَنا في شَامِنا ، وبارِكْ لَنا في صاعِنا ، وبارِكْ لَنا في مُدِّنا.
فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ! وفي عراقنا فأعرض عنهُ ، فرددها ثَلاثًا ، كل ذلكَ يقولُ الرجلُ :
وفي عِرَاقِنا فَيُعْرِضُ عنهُ ، فقال : بِها الزَّلازِلُ والفِتَنُ ، وفيها يَطْلُعُ قَرْنُ الشيطان.
في هذا الحديث ..
خَصَّ اللهُ سُبحانه وتَعالى بعضَ بِقاعِ الأرضِ ببَركاتٍ لم يَجعَلْها في غيرِها ؛ فجَعَلَ بعضَها مَوطِنَ الشُّرورِ والفِتنِ ،
وبَعضَها مَوطِنَ الخيرِ والبركاتِ ، وفي هذا الحديثِ دعا النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ لبعضِ القُرى والمُدنِ ؛
فقال اللَّهُمَّ بارِك لنا في مَكَّتِنا” دعا النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ بالبركةِ في أقواتِهم ،
اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في مَدينَتِنا” وهي مَدينةُ رسولِ اللهِ صَل اللهُ عليه وسلَّمَ ،
وقد دعا النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يَجعَلَ اللهُ فيها ضِعْفَيْ ما في مكَّةَ مِن البركةِ ، وأنْ يَطرُدَ اللهُ منها الوَباءَ والمرَض.
اللَّهُمَّ بارِكْ لنا في شامِنا” وهي بلادُ الشَّامِ شَمالَ الجزيرةِ العربيَّةِ ، وكانت مَصدَرَ تِجارَتِهم وأقواتِهم ،
“وبارِكْ لنا في صَاعِنا ، وبارِكْ لنا في مُدِّنا”،
أي : بارِكْ في الطَّعامِ الَّذي يُكالُ بهما ، ويُحتمَلُ أنَّ الدُّعاءَ كان بأنْ تَحصُلَ البركةُ في نفْسِ المكيلِ ،
بحيث يَكْفي المُدُّ فيها مَن لا يَكْفِيه في غيرِها ، وصَاع المدينة : هو كَيلٌ يَسَعُ أربعةَ أمداد ،
والمُد : رِطْلٌ وثُلُثٌ عندَ أهلِ الحِجازِ ، ورِطلانِ في غيرِها ، قيل : وتَكثيرُ البركةِ بها لا يَستلزِمُ الفضْلَ في أُمورِ الآخرة.
إقرأ أيضا: كيف نتوضأ بماء من نور؟
فقال رجل : يا رسولَ اللهِ ، وفي عِراقِنا ، فأعرَضَ عنه ، فردَّدَها ثلاثًا” ،
أي : وادْعُ اللهَ أيضًا أنْ يُبارِكَ في العِراق ، فيَرفُضُ النَّبيُّ الدُّعاءَ لهم ،
فكرَّرَ الرَّجلُ ذلك على النَّبيِّ صل اللهُ عليه وسلَّم ، “كلُّ ذلك يقولُ الرَّجلُ :
وفي عِراقِنا ، فيُعرِضُ عنه ، فقالَ صل اللهُ عليه وسلَّم : “
بها الزَّلازلُ والفِتَنُ ، وفيها يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطانِ” ،
يعني : في هذه الأراضي تكونُ الزَّلازلُ ، ومنها تَخرُجُ الفِتَنُ ، وبها يَطلُعُ قرْنُ الشَّيطانِ ،
يعني : جماعتُه وحِزبُه ، وهذه الأرضُ هي الَّتي يأْتي مِن جِهَتِها الدَّجَّالُ ؛ أعظمُ فِتنةٍ تُصيبُ النَّاسَ.
وقيل : المُرادُ بهذا الحديثِ : ما ظهَرَ بالعِراقِ مِن الفِتَنِ العظيمةِ والحُروبِ الهائلةِ ؛ كوَقعةِ الجَمَلِ ،
وحُروبِ صِفِّينَ ، وحَرُورَاءَ ، وفِتَنِ بني أُميَّةَ ، وخُرُوجِ الخوارجِ ؛
فإنَّ ذلك كان أصلُهُ ومَنبعُهُ العِراقَ ومَشْرِقَ نَجْدٍ ، وتلك مَساكنُ ربيعةَ ومُضَرَ إذْ ذاك
وفي رِوايةِ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما عندَ الطَّبرانيِّ ، زاد : “
وإنَّ الجَفاءَ ، أي : سُوءَ الخُلقِ ، والشِّدَّةَ والقَسوةَ ، وقِلَّةَ الدِّيانةِ ، “بالمشرقِ” ،
أي : في ناحيةِ نَجْدٍ ؛ قيل : إنَّما ترَكَ صل اللهُ عليه وسلَّمَ الدُّعاءَ بالبركةِ للعراقِ وأهْلِ المَشرقِ ؛
لِيَضْعُفوا عن الشَّرِّ الَّذي هو مَوضوعٌ في جِهَتِهم ؛ لاستيلاءِ الشَّيطانِ بالفِتَنِ.
وفي_الحديثِ : علامةٌ مِن علاماتِ نُبوَّتِه صَل اللهُ عليه وسلَّم.
الراوي : عبدالله بن عمر.
المحدث : الألباني.
المصدر : السلسلة الصحيحة.