Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
حكم وأقوال

خواطر للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

خواطر للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله

إنكم أغنياء ، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها ، فترمونها ؛ زهدًا فيها ، واحتقارًا لها.

يُصاب أحدكم بصداع أو مغص ، أو بوجع ضرس ، فيرى الدنيا سوداء مظلمة ؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحًا بيضاء مشرقة؟

ويُحْمَى عن الطعام ويُمنع منه ، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم ، ويحسد من يأكلها ؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟

لماذا لا تعرفون النِّعم إلا عند فقدها؟

ولماذا يبكي الشيخ على شبابه ، ولا يضحك الشاب لصباه؟

لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا ، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي ، أو مُتَّشحةً بضباب المستقبل؟

كلٌّ يبكي ماضيه ، ويحنُّ إليه ؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيًا؟

أيها السيدات والسادة : إنا نحسب الغنى بالمال وحده ، وما المال وحده؟

ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤْتى بأطايب الطعام ، فلا يستطيع أن يأكل منها شيئًا ،

لما نَظَر مِن شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود ، يدفع اللقمة في فمه ،

ويتناول الثانية بيده ، ويأخذ الثالثة بعينه ، فتمنَّى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانيًّا.

فلماذا لا تُقدِّرون ثمن الصحة؟ أَما للصحة ثمن؟

من يرضى منكم أن ينزل عن بصره ويأخذ مائة ألف دولار؟

أما تعرفون قصة الرجل الذي ضلَّ في الصحراء ، وكاد يهلك جوعًا وعطشًا ، لما رأى غدير ماء ،

وإلى جنبه كيس من الجلد ، فشرب من الغدير ، وفتح الكيس يأمل أن يجد فيه تمرًا أو خبزًا يابسًا ،

فلما رأى ما فيه ، ارتدَّ يأسًا ، وسقط إعياءً ، لقد رآه مملوءًا بالذهب!

وذاك الذي سأل ربَّه أن يحوِّل كلَّ ما مسَّته يده ذهبًا ، ومسَّ الحجر فصار ذهبًا ؛ فكاد يجنُّ مِن فرحته ؛ لاستجابة دعوته.

ومشى إلى بيته ما تسعه الدنيا ، وعمد إلى طعامه ؛ ليأكل ، فمسَّ الطعام ، فصار ذهبًا وبقي جائعًا ،

وأقبلت بنته تواسيه ، فعانقها فصارت ذهبًا ، فقعد يبكي يسأل ربه أن يعيد إليه بنته وسُفرته ، وأن يبعد عنه الذهب!

إقرأ أيضا: جمل قيلت بعد تجارب

يا سادة : لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهبًا كثيرًا؟

أليس البصر من ذهب ، والصحة من ذهب ،
والوقت من ذهب؟

فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا؟
لماذا لا نعرف قيمة الحياة؟

يا سادة : إن الصحة والوقت والعقل ، كلُّ ذلك مال ، وكلُّ ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد.

وملاك الأمر كلِّه ورأسه الإيمان ، الإيمان يُشبع الجائع ، ويُدفئ المقرور ، ويُغني الفقير ، ويُسَلِّي المحزون ،

ويُقوِّي الضعيف ، ويُسَخِّي الشحيح ، ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا ، ومن خيبته نُجحًا.

وأن تنظر إلى من هو دونك ، فإنك مهما قَلَّ مُرَتَّبك ، وساءت حالك أحسن من آلاف البشر ممن لا يقلُّ عنك فهمًا وعلمًا ، وحسبًا ونسبًا.

وأنت أحسن عيشة من عبد الملك بن مروان ، وهارون الرشيد ، وقد كانا مَلِكَي الأرض.

فقد كانت لعبد الملك ضرس منخورة تؤلمه حتى ما ينام منها الليل ، فلم يكن يجد طبيبًا يحشوها ، ويلبسها الذهب ،

وأنت تؤلمك ضرسك حتى يقوم في خدمتك الطبيب.

وكان الرشيد يسهر على الشموع ، ويركب الدوابَّ والمحامل ، وأنت تسهر على الكهرباء ، وتركب السيارة ،

وكانا يرحلان من دمشق إلى مكة في شهر ، وأنت ترحل في أيام أو ساعات.

فيا أيها القراء :

إنكم سعداء ولكن لا تدرون ، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها ،

وسعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها.

سعَداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم ،

سعداء إن كانت أفكاركم دائمًا مع الله ، فشكرتم كل نعمة ، وصبرتم على كل بَلِيَّة ، فكنتم رابحين في الحالتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?