خيانة زوجة السلطان
يروى أن أحد السلاطين اشتكى لوزيره الأمين من كثرة الوشاة الكذابين في بلاطه والذين يدفعون السلطان ليقضي بأحكام جائرة.
وطلب من وزيره أن يجد حلا لهذه المعضلة ، فوعده الوزير خيرا.
وفي أحد الأيام غضب السلطان على زوجته السلطانة لخطأ ارتكبته فطردها من قصره.
فكان أن إلتقى بها الوزير خارج القصر وهي في حالة يرثى لها فطلب منها أن تنزل ضيفة عنده في بيته معززة مكرمة ، ففعلت.
وكان الوشاة يراقبون ما يجري ففرحوا بذلك وخططوا للإيقاع بين السلطان وزوجته ووزيره بسبب هذه الحادثة.
وفي نفس اليوم الذي طرد فيه السلطان زوجته ، تقدم منه الوزير وبرفقته شخص ملثم يرتدي ملابس الغلمان وقال له الوزير :
يا مولاي السلطان ، أعزك الله وأدام سلطانك ، إنك تعلم أني في خدمتك كوزير منذ عشرون عاما ،
أسألك بالله هل وجدت بي خطل أو زيغ في أرائي ومشورتي لك؟
أجاب السلطان : معاذ الله ، ما وجدنا فيك إلا الخير والنصح والسداد.
ناشدتك بالله يا مولاي ، هل طلبت منك يوما أو سألتك شيء لنفسي؟
بعد التفكير ، لا أذكر أنك سألتني يوما عن شيء لنفسك ،
ولكن ، إذا كانت تلك المقدمة لتطلب مني أن أصفح عن الملكة فانسى الأمر.
لا يا مولاي ، لست هنا لهذا الغرض ، ولكن جئتك اليوم وأنا أسألك أن تتقبل مني هذه الهدية.
وهي هذا الغلام المخلص الأمين الذي لم أر أخلص منه ولا أحسن ، وقد أحببت أن أهديك إياه ، فتقبله مني يا مولاي على عيبه.
وما عيبه؟
إنه يا سيدي أبكم ويغطي وجهه ندبة فيه فلا تطلب منه أن يرفع لثامه لأن الله تعالى جعل الوجه موضع عزة الرجل.
قد قبلنا هديتك وسأجعله من ندمائي فطب نفسا أيها الوزير فلن يفارق عيني.
وهكذا مكث الغلام في خدمة السلطان كأحسن ما تكون الخدمة ، قريبا منه لا يفارقه.
إقرأ أيضا: قصة اللص المظلوم
وبعد أسبوعين رق قلب السلطان على زوجته الملكة وحن إليها فاراد استعادتها ،
فطلب من بعض حاشيته أن يستقصي أمرها ، فمثل بين يديه أربعة من أخلص أعوانه ومستشاريه.
وأخبروه أن زوجته مكثت في بيت الوزير منذ أن طردها السلطان.
فقال السلطان : نزلت ضيفة عنده بلا شك.
وهنا قال أحدهم : ليت الأمر كما تقول يا مولاي ، لكنه أدهى وأمر.
نهض السلطان من عرشه وصاح : ويحكم ، ما الخطب ؟
قالوا : لقد ارتكب الوزير جريمة الزنا بحق مولاتنا السلطانة في بيته!
ولقد شاهد أربعتنا ذلك بأعيننا ونحن على ذلك من الشاهدين والله على ما نقول وكيل.
انتفخت أوداج السلطان من الغضب وقال :
وكيف شهدتم ذلك؟
لقد دفعنا لجاريته لتدخلنا خلسة إلى بيته عندما يشرع بالفعل الحرام.
ثارت ثائرة السلطان وأرسل في طلب وزيره ، فذهب اليه اثنان من الحرس وأخبروه أن السلطان يطلبه حالا.
فسار الوزير معهم بكل وقار وسكينة فدهش الحارسان من هدوءه وقالا :
إن السلطان يرعد ويزبد وما نظنه إلا قاتلك ، وها أنت ذاهب إلى حتفك بكل هدوء!
ابتسم الوزير وقال : بسم الله الرحمن الرحيم : قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ،
إعلما أن الملوك لو اجتمعت بكل جبروتها على أن يغيروا أمرا قد قدره الله عز وجل ، فلن يكون إلا ما شاء الله.
يأبى الله تبارك وتعالى إلا أن يجري المقادير بأمره لا بأيدي خلقه ، ولولا ذلك لفسد نظام الكون وانفرط كما تنفرط قلادة اللؤلؤ.
ثم حانت لحظة المواجهة.
فأقام السلطان ما يشبه المحاكمة ، فاستدعى الشهود ومثل السلطان دور قاضي القضاة ، وفي المنتصف وقف الوزير المتهم.
قال السلطان : لقد شهد هؤلاء الأربعة الثقات قيامك بجريمة الزنا بحق السلطانة ،
وفي الشرع فإن قضية الزنا لا تقبل الشهادة إلا بأربعة عدول ،
إقرأ أيضا: خمسة قصص في دهاء النساء
وبما أنك محصن أي متزوج فقد حكمنا عليك بالقتل ، ولن ينفعكما لا أنت ولا السلطانة الإنكار لوجود شهادة الأربعة.
قال الوزير : هل يأذن لي مولاي السلطان بالكلام؟
قد أذنا لك.
إلتفت الوزير الى الشهود الأربعة وقال : هل تقسمون على أنكم شاهدتموني وأنا ارتكب الفعل المحرم بالسلطانة نفسها ؟
قالوا : نعم شاهدناها بأعيننا هذه ، هي السلطانة لا غيرها.
في أي يوم رأيتمونا معا؟
لقد رأيناكما تفعلان ذلك مرتان خلال الإسبوعين الماضيين ، مرة كل أسبوع.
وهنا التفت الوزير إلى السلطان وقال : قد سمعت يا مولاي شهادة الشهود ،
وسمعتهم وهم يحلفون أنهم شاهدوني مع السلطانة في بيتي مرتين خلال الأسبوعين السابقين.
وها أنا الآن أطلب إليك يا سيدي أن تزيل اللثام عن غلامك الأبكم!
التفت السلطان إلى غلامه الذي يقف على يمينه وهو لا يفهم مغزى ذلك ،
لكنه عندما أماط اللثام عنه أصابته مفاجأة صاعقة!
فالغلام الذي رافقه كظله طوال الأسبوعين الفائتين لم يكن سوى زوجته السلطانة!
وقف الجميع مدهوشين حائرين أمام ما يجري ، ثم قال الوزير :
تذكر يا مولاي أني وهبتك الغلام وهو زوجتك المتنكرة منذ أول يوم تم طردها من القصر ، فأسألك بالله يا مولاي هل فارقتك لحظة؟
أجاب السلطان : لا لم تفعل.
فكيف إذن بالله عليك يا مولاي يزعم هؤلاء أنهم شاهدوني معها طوال الأسبوعين الماضيين؟
انخرست ألسنة الشهود ودحضت حجتهم بعد أن كانوا أصحاب اليد الطولى.
ثم واصل الوزير كلامه : طلبت مني يا سيدي أن أخلصك من الوشاة الكذابين في حاشيتك ،
وقد وجد هؤلاء الوشاة في مبيت زوجتك في بيتي بعد طردك إياها مرتعا خصبا لأكاذيبهم وافترائاتهم ،
ولكي أقطع عنهم مصدر البهتان ، عمدت منذ أول يوم إلى إعادة زوجتك إليك لتخدمك بثوب الغلمان.
وقد بانت لديك رعاك الله شمس الحقيقة وبرائتي وزوجتك من التهمة براءة الذئب من دم يوسف.
واتضحت لديك نوايا القوم وخبث ما انطوت عليه سرائرهم ، والحمد لله أولا وآخرا.
أمر السلطان بجلد الشهود ومن ثم رميهم في السجون لشهادتهم الزور ،
ثم اعتذر من زوجته ووزيره وشكره على حسن صنيعه وبراعة تدبيره.