دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح
دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وقد حرصت شريعة الإسلام المطهرة على استِجلابِ المصالح والنعم ،
ودَرْءِ المفاسد والنِّقَمِ ، وفي هذا الحديث أدب عظيم مِن آداب مُناصَحةِ وَليِّ الأمر التي أمرنا بها ؛
ممَّا يحصل المصلحةَ بأقربِ طَريقٍ ويَدفَعُ المَفسَدةَ ،
حيثُ يروي التابعيُّ أبو وائلٍ شَقيقُ بنُ سَلَمةَ أنَّه قِيلَ لأُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنهما : «لو أتيتَ فُلانًا فكَلَّمتَه» ،
وجاءَ في رِوايةٍ عندَ مسلم : «قيل له : ألَا تدخل على عثمان رضي الله تعالى عنه وتُكلِّمُه» ،
أي : في شَأنِ أخيهِ لأُمِّه الوَليدِ بنِ عُقْبةَ بنِ أبي مُعَيطٍ ، وما ظهَرَ منه مِن شُربِ الخمر ،
وقد جلده عثمان رضي الله عنه بعد ذلك ، وعَزَلَه بعْدَ أنْ ثَبَتَ عليه شُربُ الخمر.
فقال لهم أسامة : «إنَّكم لَترَوْنَ أنِّي لا أُكلِّمُه إلَّا أُسمِعُكم» ، أي : أتظُنُّونَ أنِّي لا أُكلِّمُه إلَّا وأنتم تَسمَعونَ؟
وأخْبَرَهم أنَّه كلَّمَه على سَبيلِ المصلحةِ والأدبِ في السر ؛ لأنَّه أتْقى ما يكونُ عن المجاهَرةِ بالإنكارِ والقِيامِ على الأئمة ،
ودونَ أن يكون فيه تَهييجٌ للفِتنةِ ونحوها ، فيكون بذلك قد فَتَحَ بابًا للتَّطاوُلِ على الخليفة ، وهو بابُ فِتنةٍ وشَرٍّ.
ثمّ عَرَّفهم أسامة رضي الله عنه بأنه لا يُداهِنُ أحدًا ولو كان أميرًا ، بلْ يَنصَحُه في السر ،
ولا يَتملَّقُ للأمراءِ فيَمدَحُهم في وُجوهِهم بالباطل ، بعْدَما سَمِعَ مِن رسول اللهِ صل الله عليه وسلم أنَّه يُؤتَى برجُلٍ يومَ القِيامة ،
فيُلْقَى في النار ، فتَنْدَلِقُ أقْتَابُه -وهي أمْعاؤه- فتَخرُجُ مِن بَطْنِه خُروجًا سَريعًا مِن شِدَّةِ الحَرِّ وشِدَّةِ العذاب ،
فيَدُورُ بأمْعائِه على هذا الحالةِ في النار كدَوَرانِ الحمارِ حَولَ رَحاهُ ،
«فيُطِيفُ به أهلُ النَّارِ» ، أي : يَجتمِعونَ حوله على هَيئةِ حَلْقَةٍ تُحيطُ به ، فيَسأَلونه : يا فلان ،
ألَستَ كُنتَ تَأمُرُ بالمعروفِ وتَنهى عن المُنكَرِ؟!
فيقولُ : إنِّي كُنتُ آمُرُ بالمعروفِ ولا أفعَلُه ، وأَنهى عن المنكر وأفعَلُه.
إقرأ أيضا: من علامات الساعة هلاك الوعول وظهور التحوت
وذَكَر لهم قصَّةَ الرَّجُلِ الَّذي يُطرَحُ في النار لكونِه كان يَأمُرُ بالمعروفِ ولا يَفعَلُه ؛
لِيَتبرَّأَ ممَّا ظنُّوا به مِن سُكوتِه عن عثمان رضي الله عنه في أخيه.
وفي الحديث : ذمُّ مُداهنةِ الأمراءِ في الحقِّ وإظهارِ ما يُبطِنُ خِلافَه كالمتملِّقِ بالباطلِ.
وفيه : الأدبُ مع الأمراءِ واللُّطفُ بهم ووَعْظُهم سِرًّا ، وتَبليغُهم قول النَّاسِ فيهم ؛ ليَكُفُّوا عن فِعلِ الخطأ.
الراوي : أسامة بن زيد.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.