رن هاتفي فإذا بي أسمع صوت بكاء أم صديقتي
رن هاتفي فإذا بي أسمع صوت بكاء أم صديقتي وهي تبكي وتقول لي سامية توفيت يا هبة ، ماتت ابنتي ماتت ، تعالي بسرعة.
صرخت بصوت عال لا يعقل ، سامية صديقتي المقربة ذات 19 عاما تفارق الحياة في هذا العمر الصغير.
لم أكن أدري أن الموت يخطف كل الأعمار ، بل كنت أعرف ولكني كنت غافلة عن ذلك ،
لقد كنا معا البارحة بجانب الشاطئ ، مستحيل أن تكون فارقت الحياة.
أقفلت سماعة الهاتف ، ولبست ملابسي وذهبت بسرعة لبيتهم ، وجدت المنزل ممتلئ بالناس والبكاء والعويل في كل مكان.
ضاق صدري ، ارتميت في حضن أم سامية وبكيت بكاء لم أبكيه من قبل.
قلت كيف ماتت وهي لازلت شابة ، أحسست أن الموت يسخر من سؤالي.
رأيتهم يخرجونها وهي ملفوفة في قطعة بيضاء لا حراك.
ذهبنا معا لنصلي عليها بالمسجد فارتديت عباءة من ملابس أم سامية ووضعت خمارا على رأسي ،
كانت تلك أول مرة ألبس فيها ملابس كهذه.
دخلت المسجد ولأول مرة أدخله بعد أيام الطفولة ، حينما كنت أحضر مع أمي للتراويح.
لأول مرة أصلي بعد زمن طويل ولكنها صلاة لا ركوع ولا سجود فيها ،
تمنيت لو سجدت لخالقي حينها وقلت له يا رب هل تقبلني هل تقبلني؟
بحثت عن سامية لما أنهينا الصلاة عليها ، فلم أجدها بمعيتي ، ركضت أجري لخارج المسجد ،
فرأيتهم يحملونها على الأكتاف متجهين بها للمقبرة.
صرخت لما رأيتهم يبتعدون وهم يحملونها ، التف الناس حولي سقطت أرضا ،
فأحسست بيد تضمني وبصوت يقول لي ماذا لو كنت أنت مكانها هل كنت ستقولي قدوموني أم أخروني.
إلتفت إليها فإذا هي فتاة من إحدى الرفيقات المنتقبات التي لطالما نصحتني أنا وسامية بالجامعة ،
فكنا نستهزء بهن وكان يغرنا طول الأمل والعمر.
إقرأ أيضا: إني لا أتزوج
ارتميت بأحضانها وأنا أبكي بكاءا مريرا وقلبي يعتصر ، بقيت أنظر إلى حيث سامية محملة على الأكتاف وهي تبعتد عني شيئا فشيئا ،
تذكرت ماذا لو كنت مكانها الآن.
لو قامت سامية من الموت يا ترى ماذا كانت ستتمنى هل مساحق تجميل ، أغينة ، سفر ، صديق ، ملابس ضيقة.
تخيلت نفسي مكانها وتذكرت القبر ووحشته
تذكرت كيف ستقابل الله وهي لم تسجد لله سجدة واحدة.
تذكرت قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون.
وبدأت أتساءل بماذا ستجيب منكر ونكير أي عمل سيدافع عنها ، بماذا ستجيب يا ترى؟
مئات الأغاني ، سبعون مسلسل ، تبرج ، مصاحبة الشباب ، ترك للصلاة.
بكيت حتى كاد يغمى علي ، لا صلاة تشفع لها ، لا صدقات ، ولا صيام لا قيام ، ولا حجاب شرعي كامل.
يا ترى هل وضعوكي في القبر؟ هل سمعت قرع نعالهم هل صرخت؟ وقلت لا تتركوني لوحدي عودو لي!
هل قلت ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا.
لم أقوى على النهوض إلا بمساعدة بعض الأخوات ، خرجت من الأزمة بعد أسابيع كنت فيها طريحة الفراش.
وتلك كانت بداية توبتي وعودتي لله ، بدأت أصلي وارتديت النقاب وصاحبت الصالحات ،
واحتكيت بالقرآن والعلم الشرعي على ضوء القرآن والسنة بالمساجد والجامعات.
هاجرت حياة المعاصي وأقبلت على ربي سبحانه ،
وعملت بالدعوة مع رفيقات لي فأحسست أني كنت ميتة فأحياني الله ومن علي بالهداية.
فذقت طعم السعادة الحقيقي الذي ما وجدته في البعد عن الله ،
فأصبح هدفي أن أدعوا النساء إلى جنة عرضها السموات والأرض.
لم أنسى يوما سامية وبقيت أدعوا لها وأتصدق عنها ،
ساهمت لها في بناء بئر في أفريقيا صدقة جارية عنها عسى أن يخفف عنها سبحانه من ظلمة القبر ووحشته.
كان موت سامية نقطة تحول حياتي من الظلام إلى النور.