رواية لغة الطيور الجزء الأول

رواية لغة الطيور الجزء الأول

عاش تاجر غني مع زوجته في قرية بعيدة ، وأنجبوا طفلا وحيدا سمّوه إسكندر وسرعان ما أصبح فتى وسيما وشجاعا ،

وكان له عصفور رمادي يضعه في قفص ، لكنّه كان حزينا ونادرا ما يغني.

وذات يوم جلس إلى مائدة العشاء مع والديه ، وفجأة بدأ يغني بروعة ، كانوا يأكلون ، ويستمعون إلى صوته الشجي.

وبعد أن إستمع التّاجر إلى غنائه ، قال : كم أتمنى لو أعرف ماذا يقول هذا العصفور ،

سأعطي نصف ثروتي لمن يفسر لي لغة الطيور! فلا شك أنّ ذلك سيكون ممتعا!

علقت هذه الكلمات في ذهن الفتى ، ومنذ ذلك الحين وهو يفكر كيف يتعلم كلام الطيور ، فكان يراقبهم لفترات طويلة ،

لكنه لم يستطع أن يفهم ألحانهم.

حدث بعد مدّة أن ذهب إسكندر للصيد في الغابة ، فعصفت الرّيح ، وظهرت الغيوم في السماء ، ولمع الرعد والبرق ،

وتساقطت الأمطار فلجأ إلى شجرة كبيرة ولمح عشّا بين أغصانها ،

وداخل العشّ رأى أربعة فراخ صغيرة بدون أبوين لحمايتهم من البرد والمطر ،

فأشفق عليهم وتسلّق الشّجرة وغطى الصّغار بمعطفه.

مرّت العاصفة ، وأتى عندليب ملوّن ، وجلس على أحد أغصان الشّجرة ، وقال للفتى: لقد وقعت في شبكة أحد الصّيادين ،

ولم أنج إلا بشقّ الأنفس ، وأنا ممتنّ لك جدا ، لأنّه بصنيعك هذا حميت أطفالي الصّغار من العاصفة ، ولولا وجودك لفقدتهم إلى الأبد!

نظر إلى فراخه برهة كأنّه يطمئن عليهم ، وواصل حديثه : لا بدّ أن أردّ لك الجميل على معروفك!

هذا أقل ما يمكن فعله لك ، فماذا تريد أن أمنحك إياه؟

أجابه إسكندر : لست في حاجة إلى شيء من متاع الدنيا ، فلدي كل ما أرغب فيه ، لكنني أريد تعلم كلام الطيور!

أجابه أنت محظوظ : فأنا عندليب سحري من مملكة الجان سأعلمك ثلاثة أيام كل يوم لغة صنف من الطيور ،

وبعد ذلك ستفهمها كلها.

إقرأ أيضا: طفل فقير كان جائعا

مرت تلك المدة ، وأصبح يسمع ضجّة الطيور في السّماء ، وعلى الأشجار ،

إندهش إسكندر ، ولم يقل شيئا لوالديه ، كان متأكّدا أن لا أحد سيصدّقه.

في المساء بدأ العصفور يغني في القفص ، وتأثر إسكندر بما سمعه ، وقال حقا ذلك غريب!

سأله والداه ما الأمر ، عن ماذا تتحدث يا إبننا العزيز؟

أجاب الصبي : أقصد الأغنية ، لأني أفهم ما يقول والطائر يتحدث عن نبوءة عجيبة.

فقال الوالدان ، وماذا يقول ، هيا أخبرنا الحقيقة ولا تخفي عنا شيئا!

رد الصّبي : كان من أفضل لو أنّي لم أولد أصلا! قال الوالدان وقد إعتراهما القلق: لا تخفنا أكثر من ذلك ،

وأخبرنا لنعرف ما يحصل!

أجاب ، يقول العصفور : سوف يمرّ الوقت
وتمضي الأشهر يصبر الصبيّ إسكندر أميرا إبن الملوك.

في القصر يعيش ويكبر ، ترتجف منه السّماء
وتخاف الشّمس ولا تعود أمامه تظهر.

إرتبك التاجر وزوجته ، وخافوا من إبنهم إسكندر ، فلو وصل ما قاله للملك لكان عقابهم جميعا عسيرا.

ولامت المرأة زوجها على الحديث أمام الصّبي عن لغة الطيور ، والنتيجة أنه بدأ يتخيل أشياء لا وجود لها ،

وفكّرا في إبعاده عنهم.

كانا يخشيان أن يتكلم أمام أحد بأغنية العصفور ، فيقعون في ورطة.

وذات ليلة سقياه شرابا منوّما ، وضعاه في قارب ، ودفعوه في البحر ، تأرجح المركب طويلا فوق الأمواج حتى وصل بمحاذاة سفينة كبيرة.

رأى البحارة الصّبي فأشفقوا عليه ، وقرّروا أخذه معهم.

أثناء رحلتهم لمحوا طيور الكركي ، فقال إسكندر للبحّارة : إحذروا فإن الطيور تنبأت بحدوث عاصفة ،

دعونا ندخل إلى أحد الموانئ ، وإلا ستكونون في خطر ، وتعانون من أضرار كبيرة في السفينة!

إقرأ أيضا: رواية لغة الطيور الجزء الثاني

لكن لم يستمع إليه أحد ، وتابع البحّارة طريقهم ، ولم يمر وقت طويل حتى ثارت عاصفة شديدة ، وكادت السفينة تغرق ،

وعانى البحارة كثيرا لإصلاح الأضرار ، وسدّ الشقوق ولمّا إنتهوا من عملهم ، رأوا سربا من البجع يطير فوق رؤوسهم وتصدر أصواتا عالية ،

هذه المرة سأل البحارة إسكندر باهتمام شديد : ماذا يقول البجع؟

يتبع ..

Exit mobile version