رواية وادي الذئاب المنسية للعبقري متخصص الفنتازيا عمرو عبد الحميد
في الحقيقة لا أدري ما علاقة دراسة الطب بكُتاب الخيال العلمي!
يطل علينا أول أمس الرائع دكتور “نبيل فاروق” أول كاتب مصري لروايات الفنتازيا والخيال العلمي الذي اشتهر الرجل به.
ثم يظهر بعده الراحل دكتور ” أحمد خالد توفيق ” ليكمل المسيرة ذاتها بأساليب خيالية مُتقنة.
وحاضرا يعيش بيننا المبدع جدا والكاتب الرائع للغاية دكتور “عمرو عبد الحميد”.
عمرو عبدالحميد ؛ ليس مجرد راوٍ للأحداث فقط ، كثيراً ما شعرت أن الرجل يقوم برسم المشاهد أمامي ،
وكثيرا كثيرًا ما تصورت أنني في دار سينما أشاهد فيلما متقنا وليس مجرد سطور وأحداث رواية مكتوبة.
الرجل أحرز تقدماً سريعاً وملحوظا في وقت قليل جدا ، ويمتلك خيالًا واسعًا خصبًا وأفكار مُلهمة متميزة لم يطرقها قبله أحد ،
لذا نجح في صنع قاعدة وشريحة عريضة جداً من القراء لا تقرأ إلا له وحده.
عمرو عبد الحميد نجح في إعادة الشباب إلى القراءة ،
وجذبهم من الكفيهات والسينمات إلى المكتبات ومعارض الكتب ليعكفوا على قراءة ما كتبه.
إحداهن قالت لي ذات مرة أنها لا تنتظر معرض الكتاب إلا من أجل العمل الجديد الذي سيصدره عمرو عبد الحميد ،
وإحداهن أيضاً قالت لي أنها تقرأ العمل الواحد لعمرو عبد الحميد أكثر من ثلاثة مرات!
عمرو عبد الحميد مثال للكاتب الجيد الذي لا يمل من تطوير نفسه ،
بعد أن قام بكتابة أول عمل له باللغة العامية قام بتغير لغته تماماً من العامية إلى العربية الغصحى ،
وفي الحقيقة كان هذا هو أعظم ما قام الرجل بإنجازه فكتابات عمرو عبد الحميد لا يليق بها سوى أن تكون بالفصحى.
إقرأ أيضا: سيدة القهوة
الرواية تسير بأحداث متسارعة ومتناسقة ، ومتلاحقة جداً ، حفاظا على تشويق وإثارة القارئ.
استمتعت بقراءتي لكل سطر في الرواية التي جذبتني دون مجهود ودون شعور بالملل أبدًا.
الرواية مثيرة إلى أبعد مدى ومشوقة إلى أبعد حد وكثيرا ما يحبس القارئ أنفاسه من الإثارة ،
وبرغم هذا الكم الهائل من الحماس والتشويق إلا أنني في النصف الأخير من الرواية ،
كثيرًا ما أغلقتها خشية أن أنتهي من هذه الصحبة الجميلة جدًا.
الأحداث تسير في زمنين مختلفين الأول في مدينة المنصورة بقرية البهو فريك ،
والثاني فيما بعد سرداب فوريك بأرض جديدة ك زيكولا وأماريتا اسمها “وادي الذئاب المنسية” ،
أحببت ظهور أسيل الخاطف والحضور القوي للملك تميم وقائد جيوشه السيد جرير ،
وأحببت خالد الأب العاقل والزوج المتزن بخلاف خالد الشاب المتهور في زيكولا وأماريتا.
السرد جميل ، والأحداث متناسقة ومترابطة رغم مرور عشر سنوات على الجزء الأول منها ، واللغة سلسة وبسيطة جداً ،
والأبطال تشعر وكأنهم أصدقائك ، وتعيش بينهم ليحكي لك كل واحد منهم الجزء الخاص به ،
الكاتب يتنقل في الحديث بينهم بخفة ورشاقة دون أن يشعرك بذلك.
أحببتُ” موسى” وصادقت “نوح” وكثيرًا كثيرًا ما بكيت لأجل صديقتي” ناي”.
عالم مليء بالمغامرات وتفاصيل مُتقنة في كل جزئية منه ، وأنفاس مضطربة متلاحقة مع كل صفحة جديدة ،
يمتاز عمرو عبد الحميد بكتابته لأدب نظيف خالي من كل توجيه وعيب ،
وبقدرته على فصل القارىء تماما من الواقع ليعيش في عالمه وحده وكأنه أحد أبطال العمل لا مجرد قارىء له.
إقرأ أيضا: قصة رجل أعرج
كعادة عمرو عبد الحميد كثيرًا ما يتعمد مفجأتي على حين غرة كلما شعرت بأنني قادرة على توقع الأحداث القادمة ،
وكأن الكاتب لا يروقه إلا أن يثبت للجميع أنه قادر وبشدة على سحق كل التوقعات وإلقائها خلف ظهره ،
دون أن يرف له جفن ودون أن يتشقق البناء الكامل لروايته.
الرجل بارع جداً في الخروج من الزوايا التي حبس نفسه فيها وحبس القارىء معه ،
لتجده في النهاية ممسكا برأسه في محاولة منه للسيطرة على أفكاره التي يعبث بها الكاتب بشكل عبقري.
الرجل بارع جداً في الرسم بالكلمات تارة كانت ترتجف يداي فلا أنجح في تقليب الصفحات خوفاً مما بها ،
وتارة كان ينحسر الهواء عن صدري تماماً فلا ينقذني من الإختناق سوى نجاة أبطالي الذين تعرفت عليهم وصادقتهم.
وكثيرًا ما دمعت عيناي عند موقف حزين أو حدث لم أرجو حدوثه لكنه على كل حال حدث.
قد لا يكون عمرو عبد الحميد هو الأديب العربي الأروع على الإطلاق ،
لكن بالتأكيد هو الشخص الوحيد على سطح المعمورة الذي نجح وبشدة في اختيار مواضيع مختلفة وغير مكررة أبداً ،
ولا يصلح لكتاباتها أحد غيره فلا يكتب مثل عمرو عبد الحميد سوى عمرو عبد الحميد نفسه.
تذكروا اسم عمرو عبد الحميد جيدًا وتذكروا أن هذا الإسم سيصل صداه آذان الجميع ،
ليس في الأدب العربي وحده ، ولكن في الأدب العالمي بشكل عام.
يوماً ما سيكون للراجل قراء ومحبين من كل مكان على ظهر هذه الأرض ،
لأنني الآن أتساءل وبشكل جاد كيف لم تُحول رواياته هذه إلى أفلام عالمية ، كيف لم تُترجم حتى الآن على الأقل.
وأخيرًا العيب الوحيد الذي وجدته في هذا العمل هو أنه انتهى.
حفظ الله الكاتب وأطال عمره وألبسه العافية أبدًا وفتح عليه فتحًا طيبًا.