ريم والرسائل الخاصة
استقيظت مبكرا كعادتي ، بالرغم من أن اليوم هو يوم إجازتي ، صغيرتي ريم كذلك إعتادت على الإستيقاظ مبكرا.
كنت أجلس في مكتبي مشغولة بكتبي وأوراقي ، ماما ماذا تكتبين ؟ أكتب رسالة إلى الله.
هل تسمحين لي بقراءتها ماما؟ لا حبيبتي ، هذه رسائلي الخاصة ولا أحب أن يقرأها أحد.
خرجت ريم من مكتبي وهي حزينة ، لكنها إعتادت على ذلك ، فرفضي لها كان باستمرار.
مر على الموضوع عدة أسابيع ، ذهبت إلى غرفة ريم ولأول مرة ترتبك ريم لدخولي.
يا ترى لماذا هي مرتبكة؟ ريم ماذا تكتبين ؟
زاد إرتباكها ، وردت : لا شيء ماما ، إنها أوراقي الخاصة.
ترى ما الذي تكتبه إبنة التاسعة وتخشى أن أراه؟!
أكتب رسائل إلى الله كما تفعلين.
قطعت كلامها فجأة وقالت : ولكن هل يتحقق كل ما نكتبه ماما؟
طبعا يا ابنتي فإن الله يعلم كل شيء.
لم تسمح لي بقراءة ما كتبت ، فخرجت من غرفتها واتجهت إلى راشد كي أقرأ له الجرائد كالعادة ،
كنت أقرأ الجريدة وذهني شارد مع صغيرتي.
فلاحظ راشد شرودي ، ظن بأنه سبب حزني ، فحاول إقناعي بأن أجلب له ممرضة ،
كي تخفف علي هذا العبء يا الهي لم أرد أن يفكر هكذا.
فحضنت رأسه وقبلت جبينه الذي طالما تعب وعرق من أجلي أنا وابنته ريم ، واليوم يحسبني سأحزن من أجل ذلك.
وأوضحت له سبب حزني وشرودي.
ذهبت ريم ألى المدرسة ، وعندما عادت كان الطبيب في البيت فهرعت لترى والدها المقعد وجلست بقربه تواسيه بمداعباتها وهمساتها الحنونة.
إقرأ أيضا: بقرة اليتامى
وضح لي الطبيب سوء حالة راشد وانصرف ، تناسيت أن ريم ما تزال طفلة ،
ودون رحمة صارحتها أن الطبيب أكد لي أن قلب والدها الكبير الذي يحمل لها كل هذا الحب بدأ يضعف كثيرا ،
وأنه لن يعيش لأكثر من ثلاث أسابيع.
إنهارت ريم وظلت تبكي وتردد : لماذا يحصل كل هذا لبابا ؟ لماذا ؟ إدعي له بالشفاء يا ريم يجب أن تتحلي بالشجاعة ،
ولا تنسي رحمة الله ، إنه القادر على كل شيء.
فأنتي إبنته الكبيرة والوحيدة.
أنصتت ريم إلى أمها ونست حزنها ، وداست على ألمها وتشجعت وقالت : لن يموت أبي.
في كل صباح تقبل ريم خد والدها الدافئ ، ولكنها اليوم عندما قبلته نظرت إليه بحنان وتوسل وقالت :
ليتك توصلني يوما مثل صديقاتي.
غمره حزن شديد فحاول إخفاءه وقال : إن شاء الله سيأتي يوما وأوصلك فيه يا ريم.
وهو واثق أن إعاقته لن تكمل فرحة إبنته الصغيرة.
أوصلت ريم إلى المدرسة ، وعندما عدت إلى البيت ، غمرني فضول لأرى الرسائل التي تكتبها ريم إلى الله ،
بحثت في مكتبها ولم أجد أي شيء.
وبعد بحث طويل ، لا جدوى ، ترى أين هي ؟! ترى هل تمزقها بعد كتابتها؟ ربما تكون هنا.
لطالما أحبت ريم هذا الصندوق ، طلبته مني مرارا ، فأفرغت ما فيه وأعطيتها الصندوق.
يا الهي إنه يحوي رسائل كثيرة ، كلها إلى الله!
يَا رب .. يا رب ، يموت كلب جارنا سعيد لأنه يخيفني! يارب ، قطتنا تلد قطط كثيرة ، لتعوضها عن قططها التي ماتت!
يَا رب ، ينجح إبن خالتي , لأني أحبه!
إقرأ أيضا: يحكى أن رجل أعمال ذهب إلى بنك في مدينة نيويورك
يَا رب ، تكبر أزهار بيتنا بسرعة , لأقطف كل يوم زهرة وأعطيها معلمتي!
والكثير من الرسائل الأخرى وكلها بريئة ، من أطرف الرسائل التي قرأتها هي التي تقول فيها :
يا رب … يا رب … كبر عقل خادمتنا ، لأنها أرهقت أمي.
يا إلهي كل الرسائل مستجابة ، لقد مات كلب جارنا منذ أكثر من أسبوع ، قطتنا أصبح لديها صغارا ، ونجح احمد بتفوق ،
كبرت الأزهار ، ريم تأخذ كل يوم زهرة إلى معلمتها.
يا إلهي لماذا لم تدعوا ريم ليشفى والدها ويرتاح من عاهته؟!
شردت كثيرا ليتها تدعوا له ، ولم يقطع هذا الشرود إلا رنين الهاتف المزعج ردت الخادمة ونادتني :
سيدتي المدرسة ، المدرسة! ما بها ، ريم ؟ هل فعلت شيء؟
أخبرتني أن ريم وقعت من الدور الرابع وهي في طريقها إلى منزل معلمتها الغائبة لتعطيها الزهرة.
وهي تطل من الشرفة ، وقعت الزهرة ، ووقعت ريم.
كانت الصدمة قوية جدا لم أتحملها أنا ولا راشد ، ومن شدة صدمته أصابه شلل في لسانه ،
فمن يومها لا يستطيع الكلام. لماذا ماتت ريم ؟ لا أستطيع إستيعاب فكرة وفاة ابنتي الحبيبة.
كنت أخدع نفسي كل يوم بالذهاب إلى مدرستها كأني أوصلها ، كنت أفعل كل شيء صغيرتي كانت تحبه ،
كل زاوية في البيت تذكرني بها أتذكر رنين ضحكاتها التي كانت تملأ علينا البيت بالحياة.
مرت سنوات على وفاتها ، وكأنه اليوم.
في صباح يوم الجمعة أتت الخادمة وهي فزعة وتقول إنها سمعت صوت صادر من غرفة ريم ، يا إلهي هل يعقل ريم عادت؟
هذا جنون ، أنت تتخيلين لم تطأ قدم هذه الغرفة منذ أن ماتت ريم.
أصر راشد على أن أذهب وأرى ماذا هناك ، وضعت المفتاح في الباب وانقبض قلبي فتحت الباب فلم أتمالك نفسي ،
جلست أبكي وأبكي ، ورميت نفسي على سريرها ، إنه يهتز ، آه تذكرت قالت لي مرارا أنه يهتز ويصدر صوتا عندما تتحرك ،
إقرأ أيضا: روى إبن عساكر في تاريخه عن بعض أصحاب الشبلي
ونسيت أن أجلب النجار كي يصلحه لها ولكن لا فائدة الآن ، لكن ما الذي أصدر الصوت.
نعم إنه صوت وقوع اللوحة التي زينت بآيات الكرسي ، والتي كانت تحرص ريم على قراءتها كل يوم حتى حفظتها ،
وحين رفعتها كي أعلقها وجدت ورقة بحجم البرواز وضعت خلفه ، يا إلهي انها إحدى الرسائل.
يا ترى ، ما الذي كان مكتوب في هذه الرسالة بالذات.
ولماذا وضعتها ريم خلف الآية الكريمة.
إنها إحدى الرسائل التي كانت تكتبها ريم إلى الله ، كان مكتوب بها ،
يا رب … يا رب … أموت أنا ويعيش بابا.