سألني لم كل هذا القبح الذي ملأ دنيا الناس؟
سألني لم كل هذا القبح الذي ملأ دنيا الناس؟
قبح في الخلق ، ،وقبح في اللفظ ، وقبح في التعامل.
القبح أصبح معلما؟!
فقلت : إنما جُعل قبح من حولك ليظهر طهرك أنت ، فبضدها تتمايز الأشياء!
لا يحكم على الصادق أنه صادق إلا إذا لم يكن له مفر من الكذب ، لكنه صدق.
والأمين لا يسمى أمينا إلا إذا كانت الحياة حوله تجبره أن يخون أو يرتشي أو يسرق ثم إذا هو نقي الصفحة طاهر اليد.
كلما توغل القبح في عالمنا أخرج كل معاني الطهر الكامنة فينا ،
وكلما كانت ضريبة الطهر عالية كلما تساقط أدعياء الطهر فينا ، أو اكتشف كل منا مكامن القبح من نفسه!
بعض الصحابة كانوا يلحون على النبي صل الله عليه وسلم في القتال ، فلما جاء القتال ظهرت الأعذار ،
وكثرت الحجج ، وبدا خوف النفس وجزعها!
“فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية”.
وقديما قال رجل لأحد السلف : إن فلانا يحبني حبا شديدا لا أظن أحدا يحبني مثله ،
قال ابعث إليه من يخبره أنك أسأت إليه ، فإن تأنى حتى يستبين منك ،
ورد الشانئ بقديم الود ، وحسن العشرة فهو أخوك ، وإلا فانفض يديك منه!
نحن في هذا العالم الموحش المتردي إلى ما قبل القاع بشبر ،
نعيد إكتشاف أشياء في ذواتنا وفيمن حولنا لم تكن لتتبدى إلا في مثل هذه الحالة.
فلولا محنة القبح ما عرفنا روعة الطهر ، وإلا قل لي : كيف كان سيظهر لنا أدعياء البطولة من أصحابها؟!
إقرأ أيضا: نار الظلم نار نار الظلم نار لا ترحم
ومن أين لك أن تعرف صادقي الأخوة الذين يقاسمون أولاد إخوانهم اللقمة ،
بل ويقاسمون إخوانهم السجدة ، من أولئك الذين سقونا الحب شعرا ثم لما طالت المحنة كانوا ألحن الناس عملا!
من الذي كان سيخبرنا بما كان فينا من ضعف يقين ، وشح نفس ، وقسوة لفظ ، وسوء خلق إلا قساوة المحنة وقبح الصورة؟!
لما إنتهت غزوة بدر ، نقل الله مكان التربية من ميدان القتال إلى ميدان الأموال فتشاكس البعض من أجل الغنائم ،
فأنزل الله مقدمة الأنفال كأنه يقول لهم :
حتى لو كنتم بنقاء أهل بدر ، فإن فيكم أخلاقا لا يُجلي عنها إلا الموقف.
لهذا قال الصحابي البدري بعدها : فينا والله نزلت آية الأنفال لما ساءت في أمر الغنائم أخلاقنا.
القبح يا أخي ليس كله شر ، وسوء أخلاق الناس ، لا ينبغي أن يضيع عليك معرفتك بسوء أخلاقك أنت ،
فتكون قد جمعت على نفسك السوأين ، وتكون كما قال ابن مسعود رضي الله عنه :
إن أحدكم ليرى القذى في عين أخيه ولا يرى الجبل في عين نفسه!
ما أطال الله محنة إلا لخير ، لأنه سبحانه ليس في حاجة لآلامنا وأوجاعنا ، فهو أرحم منا بنا ،
لكنه يعلم سبحانه أن التعليم المجاني مزهود فيه ، وأنه لولا مشرط الطبيب ما خرج داء الجسد.
ألم تقرأ قول الله تعالى : “يخرج الحي من الميت”
فلولا سواد الليل ما استلذ الناس ضوء القمر ، ولولا أوجاع المرض ما علم الناس قدر العافية.
كذلك لولا شدة الأحداث ما خرج خبث النفس ، ولا عُرف سوء الخلق ، لذلك كان القبح سبيلا إلى الطهر!