إسلام

سورة الحجرات – تفسير السعدي

سورة الحجرات – تفسير السعدي

” يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم “

يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تقضوا أمرا دون أمر الله ورسوله من شرائع دينكم فتبتدعوا ،

وخافوا الله في قولكم وفعلكم أن يخالف أمر الله ورسوله ، إن الله سميع لأفعالكم ، عليم بنياتكم وأفعالكم.

وفي هذا تحذير للمؤمنين أن يبتدعوا في الدين ، أو يشرعوا ما لم يأذن به الله.

” يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون “

يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله ، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي عند مخاطبتكم له ،

ولا تجهروا بمناداته كما يجهر بعضكم لبعض ، وميزوه في خطابه كما تميز عن غيره في اصطفائه لحمل رسالة ربه ،

ووجوب الإيمان به ، ومحبته وطاعته والاقتداء به ، خشية أن تبطل أعمالكم ، وأنتم لا تشعرون ، ولا تحسون بذلك.

” إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم “

إن الذين يخفضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين اختبر الله قلوبهم ، وأخلصها لتقواه ،

لهم من الله مغفرة لذنوبهم وثواب جزيل ، وهو الجنة.

” إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون “

إن الذين ينادونك – يا محمد – من وراء حجراتك بصوت مرتفع ، أكثرهم لا يعقلون الأدب مع رسول الله ، وتوقيره.

” ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم “

ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم عند الله : لأن الله قد أمرهم بتوقيرك ،

والله غفور لما صدر عنهم جهلا منهم من الذنوب والإخلال بالأدب ، رحيم بهم حيث لم يعاجلهم بالعقوبة.

إقرأ أيضا: فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة

” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين “

يا أيها الذين صدقوا الله واتبعوا رسوله ، إن جاءكم فاسق بخبر فتثبتوا من خبره قبل تصديقه ونقله حتى تعرفوا صحته.

خشية أن تصيبوا قوما برآء بجناية منكم ، فتندموا على ذلك.

” واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون “

1 3 4 10 1 3 4 10

واعلموا أن بين أظهركم رسول الله فتأدبوا معه.

فإنه أعلم بما يصلح لكم ، يريد بكم الخير ، وقد تريدون لأنفسكم من الشر والمضرة ما لا يوافقكم الرسول عليه ،

لو يطيعكم في كثير من الأمر مما تختارونه لأدى ذلك إلى مشقتكم ،

ولكن الله حبب إليكم الإيمان وحسنه في قلوبكم ، فآمنتم ،

وكره إليكم الكفر بالله والخروج عن طاعته ، ومعصيته ، أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الراشدون السالكون طريق الحق.

” فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم “

وهذا الخير الذي حصل لهم فضل من الله عليهم ونعمة. والله عليم بمن يشكر نعمه ، حكيم في تدبير أمور خلقه.

” وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين “

ان طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فاصلحوا – أيها المؤمنون – بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتب الله وسنة رسوله صل الله عليه وسلم ،

والرضا بحكمهما ، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك ، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله ،

إقرأ أيضا: سورة المزمل – تفسير السعدي

فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف ، واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله ،

إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط وفي الآية إثبات صفة المحبة لله على الحقيقة ،

كما يليق بجلاله سبحانه.

” إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون “

إنما المؤمنون إخوة في الدين ، فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا ، وخافوا الله في جميع أموركم. رجاء أن ترحموا.

” يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون “

يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشريعته لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين.

عسى أن يكون المهزوء به منهم خيرا من الهازئين ، ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات :

على أن يكون المهزوء به منهن خيرا من الهازئات ، ولا يعب بعضكم بعضا ،

ولا يدع بعضكم بعضا بما يكره من الألقاب ، بئس الصفة والاسم الفسوق ، وهو السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ،

بعد ما دخلتم في الإسلام وعقلتموه ، ومن لم يتب من هذه السخرية واللمز والتنابز والفسوق فأولئك هم الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب هذه المناهي.

” يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم “

يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بهديه واجتنبوا كثيرا من ظن السوء بالمؤمنين :

إن بعض ذلك الظن إثم ، ولا تفتشوا عن عورات المسلمين ، ولا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره.

أيحب أحدكم أكل لحم أخيه وهو ميت؟ فأنتم تكرهون ذلك ، فاكرهوا اغتيابه.

وخافوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه إن الله تواب على عباده المؤمنين ، رحيم بهم.

إقرأ أيضا: فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ

” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير “

يا أيها الناس إنا خلقناكم من أب واحد هو آدم ، وأم واحدة هي حواء ،

فلا تفاضل بينكم في النسب ، وجعلناكم بالتناسل شعوبا وقبائل متعددة.

ليعرف بعضكم بعضا ، إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاء له إن الله عليم بالمتقين ، خبير بهم.

” قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم “

قالت الأعراب (وهم البدو) : آمنا بالله ورسله إيمانا كاملا ، قل لهم – يا محمد – :

لا تدعوا لأنفسكم الإيمان الكامل ، ولكن قولوا : أسلمنا ، ولم يدخل بعد الإيمان في قلوبكم ،

وإن تطيعوا الله ورسوله لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا إن الله غفور لمن تاب من فضله ، رحيم به.

وفي الآية زجر لمن يظهر الإيمان ، ومتابعة السنة ، وأعماله تشهد بخلاف ذلك.

” إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون “

إنما المؤمنين الذين صدقوا بالله وبرسوله وعملوا بشرعه ، ثم لم يرتابوا في إيمانهم ،

وبذلوا نفائس أموالهم وأرواحهم في الجهاد في سبيل الله وطاعته ورضوانه ، أولئك هم الصادقون في إيمانهم.

” قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم “

قل – يا محمد – لهؤلاء الأعراب : أتخبرون الله بدينكم وبما في ضمائركم ، والله يعلم ما في السموات وما في الأرض؟

والله بكل شيء عليم ، لا يخفى عليه ما في قلوبكم من الإيمان أو الكفر ، والبر أو الفجور.

” يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين “

يمن هؤلاء الأعراب عليك – يا محمد – بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم لك ،

قل لهم : لا تمنوا علي دخولكم في الإسلام : فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ،

ولله المنة عليكم فيه إن وفقكم للإيمان به وبرسوله ، إن كنتم صادقين في إيمانكم.

” إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون “

إن الله يعلم غيب السموات والأرض ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ،

والله بصير بأعملكم وسيجازيكم عليها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?