سورة القمر – تفسير السعدي
سورة القمر – تفسير السعدي
” اقتربت الساعة وانشق القمر “
دنت القيامة ، وانفلق القمر فلقتين ، حين سأل كفار مكة النبي صل الله عليه وسلم أن يريهم آية ، فدعا الله ، فأراهم تلك الآية.
” وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر “
وإن المشركون دليلا وبرهانا على صدق الرسول محمد صل الله عليه وسلم ،
يعرضوا عن الإيمان به وتصديقه مكذبين منكرين ، ويقولوا بعد ظهور الدليل : هذا سحر باطل ذاهب مضمحل لا دوام له.
” وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر “
وكذبوا النبي صل الله عليه وسلم ، واتبعوا ضلالتهم وما دعتهم إليه أهوائهم من التكذيب ،
وكل أمر من خير أو شر واقع بأهله يوم القيامة عند ظهور الثواب والعقاب.
” ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر “
ولقد جاء كفار قريش من أنباء الأمم المكذبة برسلها ، وما حل بها من العذاب ، ما فيه كفاية لردعهم عن كفرهم وضلالهم.
” حكمة بالغة فما تغن النذر “
هذا القرآن الذي جاءهم حكمة عظيمة بالغة غايتها ، فأي شيء تغني النذر عن قوم أعرضوا وكذبوا بها؟
” فتول عنهم يوم يدعو الدَّاعِ إلى شيء نكر “
فأعرض- يا محمد- عنهم ، وانتظر بهم يوما عظيما يوم يدعو الدَّاعِ إلى أمر فظيع منكر ، وهو موقف الحساب.
” خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر “
ذليلة أبصارهم يخرجون من القبور كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم للحساب جراد منتشر في الآفاق.
إقرأ أيضا: سورة الصف – تفسير السعدي
” مهطعين إلى الدَّاعِ يقول الكافرون هذا يوم عسر “
مسرعين إلى ما دعوا إليه ، بقول الكافرون : هذا يوم عسر شديد الهول.
” كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر “
كذبت قبل قومك – يا محمد – قوم نوح فكذبوا عبدنا نوحا ، وقالوا : هو مجنون ،
وانتهروه متوعدين إياه بأنه الأذى ، إن لم ينته عن دعوته.
” فدعا ربه أني مغلوب فانتصر “
فدعا نوح ربه أني ضعيف عن مقاومة هؤلاء ، فانتصر لي بعقاب من عندك على كفرهم بك.
” ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر “
فأجبنا دعاءه ، ففتحنا أبواب السماء بماء كثير متدفق.
” وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر “
وشققنا الأرض عيونا متفجرة بالماء ، فالتقى ماء السماء وماء الأرض على إهلاكهم الذي قدره الله لهم؟ جزاء شركهم.
” وحملناه على ذات ألواح ودسر “
وحملنا نوحا ومن معه على سفينة ذات ألواح ومسامير شدت بها.
” تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر “
تجري بمرأى منا وحفظ ، وأغرقنا المكذبين جزاء لهم على كفرهم وانتصارا لنوح عليه السلام.
وفي هذا دليل على إثبات صفة العينين لله سبحانه وتعالى ، كما يليق به.
” ولقد تركناها آية فهل من مدكر “
ولقد أبقينا قصة نوح مع قومه عبرة ودليلا على قدرتنا لمن بعد نوح ،
ليعتبروا ويتعظوا بما حل بهذه الأمة التي كفرت بربها ، فهل من متعظ يتعظ؟
” فكيف كان عذابي ونذر “
فكيف كان عذابي ونذري لمن كفر بي وكذب رسلي ، ولم يتعظ بما جاءت به؟
إقرأ أيضا: إلى ربك يومئذ المستقر
” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر “
ولقد سهلنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ ، ومعانيه للفهم والتدبر ، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ، فهل من متعظ به؟
” كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر “
كذبت عاد هودا فعاقبناهم ، فكيف كان عذابي لهم على كفرهم ، ونذري على تكذيب رسولهم ، وعدم الإيمان به.
” إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر “
إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة البرد ، في يوم شؤم مستمر عليهم بالعذاب والهلاك.
” تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر “
تقتلع الناس من مواضعهم على الأرض فترمي بهم على رؤوسهم ، فتدق أعناقهم ،
ويفصل رؤوسهم عن أجسادهم ، فتتركهم كالخل المنقلع من أصله.
” فكيف كان عذابي ونذر “
فكيف كان عذابي لمن كفر بي ، ونذري لمن كذب رسلي ولم يؤمن بهم؟
” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر “
ولقد سهلنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ ، ومعاينه للفهم وللتدبر ، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ،
فهل من متعظ ، وفي هذا حث على الإستكثار من تلاوة القرآن وتعلمه.
” كذبت ثمود بالنذر “
كذبت ثمود وهم قوم صالح بالآيات التي أنذروا بها.
” فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر “
فقالوا : أبشرا منا واحدا نتبعه نحن الجماعة الكثيرة وهو واحد؟ إنا إذا لفي بعد عن الصواب وجنون.
” أؤلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر “
أأنزل عليه الوحي وخص بالنبوة من بيننا ، وهو واحد منا؟ بل هو كثير الكذب والتجبر.
إقرأ أيضا: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
” سيعلمون غدا من الكذاب الأشر “
سيرون عند نزول العذاب بهم في الدنيا ويوم القيامة من الكذاب المتجبر؟
” إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر “
إنا مخرجو الناقة التي سألوها من الصخرة اختبارا لهم ، فانتظر – يا صالح – ما يحل بهم من العذاب ،
واصطبر على دعوتك إياهم وأذاهم لك.
” ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر “
وأخبرهم أن السماء مقسوم بين قومك والناقة : للناقة يوم ، ولهم يوم ،
كل شرب يحضره من كانت قسمته ، ويحظر على من ليس بقسمة له.
” فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر “
فنادوا صاحبهم بالحض على عقرها ، فتناول الناقة بيده ، فنحرها فعاقبتهم.
” فكيف كان عذابي ونذر “
فكيف كان عقابي لهم على كفرهم ، وإنذاري لمن عصى رسلي؟
” إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر “
إنا أرسلنا عليهم جبريل ، فصاح بهم صيحة واحدة ، فبادوا عن آخرهم ،
فكانوا كالزرع اليابس الذي يجعل حظارا على الإبل والمواشي.
” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر “
ولقد سهلنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ ، ومعانيه للفهم والتدبر لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ، فهل من متعظ به؟
” كذبت قوم لوط بالنذر “
كذبت قوم لوط بآيات الله التي أنذروا بها.
” إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر “
إنا أرسلنا عليهم حجارة إلا آل لوط ، نجيناهم من العذاب في آخر الليل.
إقرأ أيضا: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا
” نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر “
نعمة من عندنا عليهم ، كما أثبنا لوطا وآله وانعمنا عليهم ، فأنجيناهم من عذابنا ، نثيب من لعن بنا وشكرنا.
” ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر “
وَلقد خوف لوط قومه بأس الله وعذابه ، فلم يسمعوا له ، بل شكوا في ذلك وكذبوه.
” ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر “
ولقد طلبوا منه أن يفعلوا الفاحشة بضيوفه من الملائكة ،
فطمسنا أعينهم فلم يبصروا شيئا ، فذوقوا عذابي وإنذاري الذي أنذركم به لوط عليه السلام.
” ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر “
ولقد جاءهم وقت الصباح عذاب دائم استقر فيهم حتى يفضي بهم إلى عذاب الآخرة ،
وذلك العذاب هو رجمهم بالحجارة وقلب قراهم وجعل أعلاها أسفلها.
” فذوقوا عذابي ونذر “
فذوقوا عذابي الذي أنزلته بكم ، لكفركم وتكذيبكم ، إنذاري الذي أنذركم به لوط عليه السلام.
” ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر “
وَلقد سهلنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ ، ومعانيه للفهم والتدبر لمن أراد أن يذكر ، فهل من متعظ به؟
” ولقد جاء آل فرعون النذر “
ولقد جاء أتباع فرعون وقومه إنذارنا بالعقوبة لهم على كفرهم.
” كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر “
كذبوا بأدلتنا كلها الدالة على وحدانيتنا ومجتمع أنبيائنا ، فعاقبناهم بالعذاب عقوبة عزيز لا يغالب ، مقتدر على ما يشاء.
” أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر “
أكفاركم- يا معشر قريش- خير من الذين تقلع ذكرهم ممن هلكوا بسبب تكذيبهم ،
أم لكم براءة من عقب الله في الكتب المنزلة على الأنبياء بالسلامة من العقوبة؟
إقرأ أيضا: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
” أم يقولون نحن جميع منتصر “
بل أيقول كفار ” مكة ” : نحن أولو حزم ورأي وأمرنا مجتمع ، فنحن جماعة منتصرة لا يغلبنا من أرادنا بسوء؟
” سيهزم الجمع ويولون الدبر “
سيهزم جيمع كفار ” مكة ” أمام المؤمنين ، ويولون الأدبار ، وقد حدث هذا يوم بدر.
” بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر “
والساعة موعدهم الذي يجازون فيه بما يستحقون ، والساعة أعظم وأقسى مما لحقهم من العذاب يوم بدر.
” إن المجرمين في ضلال وسعر “
إن المجرمين في تيه عن الحق وعناء وعذاب.
” يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر “
يوم يجرون في النار على وجوههم ، ويقال لهم : ذوقوا شدة عذاب جهنم.
” إنا كل شيء خلقناه بقدر “
إنا كل شيء خلقناه بمقدار قدرناه وقضيناه ، وسبق علمنا به.
” وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ “
وما أمرنا للشيء إذا أردناه إلا أن نقول قوله واحدة وهي ” كن ” ، فيكون.
كلمح البصر ، لا يتأخر طرفة عين.
” ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر “
ولقد أهلكنا أشباهكم في الكفر من الأمم الخالية ، فهل من متعظ بما حل بهم من النكال والعذاب.
” وكل شيء فعلوه في الزبر “
وَكل شيء فعله أشباهكم الماضون من خير أو شر مكتوب في الكتب التي كتبتها الحفظة.
” وكل صغير وكبير مستطر “
وكل صغير وكبير من أعمالهم مسطر في صحائفهم ، وسيجازون به.
” إن المتقين في جنات ونهر “
إن المتقين في بساتين عظيمة ، وأنهار واسعة يوم القيامة.
” في مقعد صدق عند مليك مقتدر “
في مجلس حق ، لا لغو فيه ولا تأثيم عند الله الملك العظيم ، الخالق للأشياء كلها ، المقدر على كل شيء تبارك وتعالى.