صباح الخير يا أمي
صباح الخير يا أمي
هذه هي رسالتي الأولى إليك ، لا أدري ماذا سأكتب لك فيها ، مليئة أنا بالمشاعر لكن عاجزة عن تحويلها إلى كلمات تصلح لأن تقرأها عيناك الناعسة وتراها ملامحك الطيبة.
عموما يقول الناس بأنك قد توفيت أول أمس ، ولست هنا لأسألك هل حقا رحلت بغير عودة ،
أم أن هؤلاء القوم يكذبون علي؟! فضلا قولي إنهم يكذبون عليّ.
إلى أمي الطيبة دائما ، لقد مر على غيابك ثلاثة أسابيع ، للأسف تيقنت بأنك قد رحلت للأبد ،
غرفتك الفارغة وخزانتك التي إمتلأت على غير العادة بملابسك وعطرك وحقائبك ،
مطبخنا الذي لم ينضج فيه خبز أو طعام منذ أسابيع ، أبي الصامت دائمًا ،
وصوتك المختلط بضجيج أوانيك الذي لم نعد نسمعه ، كل هذا أكد ما يقوله الناس عنك.
أمي الطيبة ، هذه هي رسالتي العاشرة إليك ، حتى هذه اللحظة لم أزر مقبرتك كما يفعل أبي وأخي وليد اللذان لم يفوتا زيارتك بشكل أسبوعي ،
لا تغضبي مني ، يؤذيني تخيل أن جسدك الحبيب يرقد هنا ،
وأننا بعد كل السنوات التي قضيناها معا ما بين ضحك وحزن وحب وشجار قد أنهيتها ،
بهذه الحفرة الضيقة التي تفترشين فيها وحدك تراب الأرض.
إلى الحبيبة التي لم أكن لأذهب إلى أول إختبار دراسي لي بعد رحيلها دون أن أقبل يدها ورأسها طالبة منها الدعاء لي ،
ساقتني قدماي إلى مقبرتك دون أن أدري صباح اليوم ، قبلتُ قبرك ، وبكيتك كما لم أبكيك من قبل.
قلت لك : إنه يوم إمتحاني يا أمي ، قضيت الليل كله قلقة وحدي ، لا أحد هنا ليربت على كتفي أو ليدعو لي ،
لا أحد هنا يغرقني باتصالاته ليطمئن علي ، لا أحد هنا يقدم لي طعاما ساخنا ونومة هنيئة لأكمل إختباراتي في هدوء ،
بعد الإختبار لم أكن لأذهب رأسا إلى البيت فأحد أفراد العائلة بات يسكن المقابر الآن ،
ولا بد من الذهاب إليه لأطمئنه أو ليطمئنني هو!
لقد نجحتُ يا أمي ، بتقدير دراسي جيدا جدا ، الجميع إنهال عليّ بالمباركات والتهنئة ،
شخص واحد فقط لم يظهر ولم يبارك لي ، إنه أنت!
إقرأ أيضا: علموا بناتكم هذه الامور
لأول مرة يسبقك الجميع وتتأخرين ، لأول مرة أيضا يفرح لأجلي من أحب لكنني لا أفرح لأجل نفسي معهم ،
أيعقل أن أبتهج بنجاحي بينما أنت وحيدة في قبرك؟!
إلى العزيزة أمي ، لقد مرض أخي وليد ، وألهبت الحمى جسده ، إنه ينادي باسمك طوال الليل ،
يقول أنك خذلتيه وذهبتي دون أن يعتذر منك على شجاركما الأخير ،
يقول أنك ولأول مرة تغلقين باب غفرانك في وجهه دون أن تفتحيه أبدا.
ماما ، هل حقا لم تغفري لوليد؟!
أوووه يا أمي ، ماذا أفعل لقد تزوج أبي بالأمس!
إلى الطيبة دومًا والنقية دائما ، هذه رسالتي الخامسة والسبعين إليك ، لقد حلمت بكِ البارحة ،
كنتِ تتشحين بالبياض ، قلتِ لي: أحبي زوجة أبيك ، إنها أمكم الثانية!
عظيمة أنت دائما تصلحين ما أفسدته الحياة فينا حتى لو لم تكوني هنا ،
بالمناسبة لقد جاءت إلي زوجة أبي صباح اليوم وطلبت مني أن نذهب سويا لزيارتك!
إلى البعيدة جدا والقريبة جدا جدا ، لقد سافر أخي وليد اليوم ، لم تكن حالته على ما يرام أبدا ،
قبل سفره غادر المنزل لثلاث ساعات متواصلة ، وعاد بعينين متورمتين من البكاء وملابس ملطخة بالطين ،
ثم أخبرني أنه زرع بعض الورود إلى جانبك ، واستحلفني أن أسقيها دائمًا.
يا أمي ، وليد طيب ونادم ويحبك فهلا سامحته؟!
إنه عيد الأم يا أمي ، الجميع يحتفل بأمه إلا أنا ، الجميع يعانق أمه ثم يقدم الهدايا ويوزع العطور ،
أما أنا فحبيسة جدران غرفتي ، أخشى أن يلمح أحدهم دموعي فيتوهم أنني أغار منه ، وأستكثر عليه فرحته بوجود أمه!
لقد صادقتني زوجة أبي ، إنها إمرأة طيبة ، لكنها أبدًا لن تملأ الفراغ الذي تركتيه فينا.
إنه يوم زفافي يا أمي ، وهذه أنا عروس الليلة ، لقد جاءت اللحظة التي تحاشيت تخيلها طوال السنوات السابقة ،
عروس وحيدة بلا أم تحتضنها وتقف إلى جانبها.
إقرأ أيضا: ما لم تقله أمي
يا أمي ، ذهبت إلى قبرك صباح اليوم ، كنتُ بحاجة ماسة لاحتضانك لدرجة جعلتني أحتضن قبرك لساعتين متواصلتين.
حدثتك كثيرا عن تصوري المبهج لهذا اليوم لكنه للأسف ظل مجرد تصور ،
وشكوت لك غياب وليد الغارق في حزنه لدرجة أنه لم يأت ليشهد زفاف أخته الوحيدة ،
وحدثتك عن ملابسك القديمة وأشيائك التي جلبتها إلى شقة زوجي لتشعرني أنك دائمًا معي.
في النهاية أخرجت من حقيبتي خاتما ذهبيا لطالما أخبرتني أنك ستهديني إياه يوم زفافي كما أهدته جدتي لك يوم زفافك ،
ألبسته لنفسي ثم سقيت زهور وليد الغائب ورحلت.
إبنتك العروس الحزينة والوحيدة “رؤى”.