Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

صحوة إمرأة الجزء الأخير

صحوة إمرأة الجزء الأخير

ولأنها لن تسمح لابنها الكبير بالابتعاد عنها كثيراً ، فباعت المنزل الكبير ، واشترت اثنين لتجعل ابنيها جارين متلاصقين ،

وسكنت مع الأصغر لتستطيع التحكم بزوجته أيضا ، لكنها لاقت الصدَّ منها ولم تستطع فتح فاهها كيلا تتسبب لابنها بمشاكل مع زوجته ،

لأنه كان لا يحتمل الخلافات إطلاقا.

فعند كل مشكلة كانت تحصل بينها وبين مها كان يحمل أغراضه ويترك المنزل أياماً دون أن يخبرهم بمكانه ،

فيشتعل قلبها قلقاً عليه لتعلقها به ، فخشيت أن يغضب منها ويتركها مع زوجته ويرحل بلا عودة.

عادت لتفريغ غضبها من زوجة إبنها الأصغر بمها وأعادت فرض شخصيتها السابقة عليها فعادت المشاكل تزداد لهيبا ،

فازدادت علاقتها بنادر سوءاً وأصبحت تقضي أيامها بمنزل أمها أكثر مما دفعها لمعاودة العمل وتقديم أوراقها للدراسة.

فتركت أم نادر العمل وجلست ترعى بنات إبنها ، فهددها نادر بتطليقها وحرمانها من بناتها إن لم تعد ،

ولأن ذلك ليس تهديده الأول فلم تكترث له ، ومع وسوسة أمه صباحا ومساء :

إنَّ صحتي لم تعد تسمح لي الاعتناء بأطفال ، تزوج من ترعى بناتك وارفق بشيخوختي.

بين ليلة وضحاها قرر حرق فؤادها وأصر على عدم مراضاتها ،

فتزوج عليها وأحضر زوجته للمنزل بصفتها أم جديدة لهم كي تعود مها إليه من تلقاء نفسها خانعة الرأس كالمعتاد.

تلقَّت الخبر كالفاجعة ، مما جعلها لا تطلب الطلاق أو تحرك ساكناً بل ضاعفت جهدها بالدراسة والعمل ونجحت بشهادة التعليم الإعدادية ،

لكن روحها انهارت فقد حرمها من رؤية بناتها أشهرا ، فجمعت فتات قلبها وأشلاء روحها وعادت إليه راضخة لأوامره.

لم يمض يوم واحد بسلام فقد احترق المنزل من لهيب المشاكل والخلافات المتصاعدة ،

لتأجج أم نادر النار بوقوفها بجانب زوجة نادر الثانية ضد مها دائماً لتظهر لابنها أنها لا تطاق ، وعندما انهارت قوى مها ؛

نظرت إليه بعينين مغرورقتين بالدموع :
أرجوك ، أعطني بناتي وأعطني حريتي.

إقرأ أيضا: عائلة الجيران

نظر لها بابتسامة صفراء : تريدين الطلاق كي تنحرفي بين عملك ودراستك وتعلمي بناتي الانحراف؟!

فصمت لبرهة ثم قال : لك ما شئت لكن بدون البنات ولن تريهم البتة طوال حياتك.

فتخلت عنهن ، فقد كان بنيتها أن تُدخَلَ أفراداً من عائلتهما وسطاء لإقناعه أن يعطيها بناتها.

لكنه استشرس ورفض بشتى الوسائل ، وقطع حبل القرابة كلياً بمن دخل وسيطا لصالحها ،

وبدأ مع أمه بالوسوسة لبناته أن أمهنَّ قد تخلت عنهنَّ لتعيش حياتها سعيدة بدونهنّ

ومع نجاحها بالثانوية العامة ودخولها الجامعة ازداد غيظه منها وتمسكه بحرمانها منهن ،

وأصبح يضيق الخناق على زوجته الثانية أكثر ، فلم تستطع الصمت كمها فانفجرت بوجهه بكل مرة يوبخها ليضربها مرة تلو الأخرى ، فطلقت نفسها منه.

عادت أمه للاعتناء ببناته لكن وبعد بضع أيام تعرَّضت لأزمة قلبية فنقلوها إلى المشفى بحالة إسعافية ؛

مما جعل عقله يتوقف عن التفكير فأخذَ بناته لأمهنًَ لحين تحسن وضع أمه.

حلق قلب مها بأرجاء صدرها ولأول مرة شعرت أن الدنيا تضحك لها ،

فانشحنت روحها بالسعادة وبدأت بسيل من المحاولات أن تعيد حبال الود بينها وبين بناتها ،

فأوقفت دراستها وجعلتهن يرافقنها كظلها أينما ذهبت ،

لكن ما زُرِعَ بداخل رؤوسهن جعل فؤادهن يعرض عن تقبل محاولاتها لدرجة أنهن لم يقدرن على مناداتها بأمي ،

فاستعانت بأختها التي أصبحت يومياً تعود من عملها لتطفئ طاقتها آخر اليوم وهي تلعب معهن وتخلق جوا من المرح.

فاستطاعت سحب روح البغضاء التي شُحِنَّ بها ليمتَزِجنَ مع أمهن تدريجياً ،

مما جعل طيبة قلبها تحثها على الذهاب لزيارة جدة بناتها ، فقد ازدادت حالتها سوءاً بعد عملية القلب المفتوح التي أجروها لها.

إقرأ أيضا: سيدة القهوة

وأخذت بناتها معها وما إن رأتها أم نادر حتى تساقطت دمعة من عينها التي لم تعرف البكاء قط ،

وعاش ضميرها لأول مرة ليؤنبها على ما اقترفت بحقها ؛

فلم تصدق أنه برغم الحجارة اللفظية التي رشقت قلبها بها طوال تلك السنين أتت للاطمئنان عليها ،

فحضنت يدها وقالت بعينين مغرورقتين بالدموع : سامحيني يا ابنتي.

وقبل أن تنطق بكلمة واحدة ردت مها قائلة :
لا عليك يا أمي ، لا تتعبي نفسك بالكلام فقد سامحتك من كل قلبي.

قبلت أم نادر يدها وتنفست الصعداء ، وبعد أن ذهبت ، أتى نادر للاطمئنان على أمه فأخبرته أن مها قد أتت لرؤيتها مع البنات ،

وانهارت دموعها وهي ترجوه أن يعيدها زوجة له كي تكفر عن سيئاتها معها بعد أن تخرج للمنزل وتستعيد صحتها.

فرحب نادر بقولها وبعد يومين حاول فيهما دفن نادر القديم وهو يعيد التفكير بسنوات حياته التي ظلم فيها إبنة عمه بلا تفكير ؛

مما جعل فؤاده ينبض ولأول مرة حباً لرفيقة دربه التي تحملت قسوته بدون أن تغلط بحقه مرة.

لكن وفي صباح اليوم الثالث ، وقبل أن يتحدث معها فارقت أمه الحياة فتمزق قلبه أشلاء وصرخت روحه من الألم ،

فلم يحتمل فراقها ولا الشوق الذي عاناه بغيابها فشعر بالألم الذي سببه لمها عندما حرمها من بناتها ،

فزحف إليها بعد الدفن يرجو عفوها لتعود إليه.

نظرت إليه بعينين دامعتين وصمتت لحظات بعد أن طاحت بنظرها أرضاً فقد شعرت أن اعتذاره نابع من فراغه بعد وفاة أمه ،

ولكي يضمن أن تعتني ببناته تحت جناحه ، فاعتصر الخوف قلبه أن ترد بالرفض ؛

وحيث أن بناتها كُنَّ يسترقْنَ السمع خلف الباب أيقنوا أن اعتذار أبيهم دليل على خطأه مع أمهم فهرولْنَ إليها بصوت واحد :

أمي أمي وافقي وافقي.

إقرأ أيضا: سر الغربان الجزء الأول

كانت كلمة أمي كفيلة بإنعاش قلبها من جديد ، فاحتضنتْهُنَّ والدموع تملأ عينيها ونظرت له بابتسامة حزينة ثم قالت :

أعطني مهلة للتفكير.

وبعد تفكيرطويل ، أيقنت أنها لم تعد تحبه كالسابق ؛ فاتصلت به ودعته ليسمع قرارها ،

ثم اشترطت عليه أن يدعها تكمل دراستها الجامعية وأن تعمل بعد ذلك بشهادتها فلم يتردد بقبول طلبها برهة.

فعادت إليه لتبدأ حياة جديدة مع بناتها بجو من الألفة والود الأسري الذي طالما افتقدته.

وبعد أن خلق منها مها أخرى زرعت برأس بناتها أن العلم وشهادة الفتاة أهم من أي شيء في الحياة ولن يبقى لهن غيره ،

فحتى الحب الذي يسمعن عنه يمكن أن يذهب هباءاً منثوراً ،

فشجعتهُنَّ على مضاعفة جهودهن بتحصيلهن الدراسي إلى أن رأتهن في أعلى المراتب العلمية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?